حينما تيقنت دول الخليج من هذا الدور الداعم للإرهاب قامت بمقاطعة قطر، متمثلة في الدول الأربع المعروفة، فلم يكن ذلك بدافع قطع صلة الرحم أو الإقصاء، بقدر ما هو رغبة في الاحتواء والمراجعة والعودة للرشد، فقطر دولة عربية بنت الجزيرة وعضو في مجلس التعاون الخليجي وكل روابط الدم والنسب واللغة والدين والعرف.. ما أصعب شرخ الصدر بمخلب مستعار! يفلق الرئتين فلا تدع للنفس نفحة من الأكسجين. وليس هناك أصعب من تمرد الأخ على أخيه وخاصة في عرفنا العربي الذي لايزال ينبض بين جوانحنا. فالجزيرة العربية أم رؤوم تحتضن أبناءها في بوتقة العروبة والتقاليد الباعثة على الوئام والسلام والمحبة، ولكن ما أصعب عقوق الأبناء لأمومتهم ولشعوبهم ولأعرافهم ولعهودهم ولمواثيقهم! بدواعي الوهم الدائم على السيطرة والسلطة والتغيير، بما حقنه فيهم فكر التدمير الذاتي في شرايينهم. قطر هي بنت الجزيرة العربية؛ لم تعد اليوم بنتها بل ابنة من رام ودام ودار وتحوصل حولها حتى باتت اليوم لا تملك زمام أمرها كدولة عربية تنتمي لأخوة كرام يحرصون على الأخوة والوحدة والسلام، فالأمر اليوم ليس كالبارحة؛ الأمر اليوم تحيط به كل المؤامرات والأطماع التي قد لا تعلمها قطر وقد لا تعلم أنها هي ذاتها الحطب والوقود لتفتيت الوحدة العربية، فتصبح هي ذاتها خنجراً في خاصرة العرب من الخليج إلى المحيط. وقد ارتأينا ذلك منذ إنشاء قناة الجزيرة في أول بادرة لها وقد أسميتها (قناة المنشب) العام 1990، والمنشب بلهجتنا نحن تعني من يوقع رأساً في رأس والساعية دوماً على إثارة الفتنة ثم تنشأ لديه لذة المتعة والمشاهدة، بلذة خاصة لرؤية سيل الدماء حتى أصبحت قطر - مع كل التقدير للشعب القطري الذي لا حول له ولا قوة - دراكولا العرب، فما أن تفوح رائحة الدماء حتى تستيقظ لتتلذذ بلونه الأحمر المخضب لقارعات الطرقات؛ فدعمت الإرهاب والإخوان والقاعدة وداعش بالمال وبالعتاد وبالإعلام وبكل وسائل الحماية والاحتواء وقل ما تشاء.. حينما تيقنت دول الخليج من هذا الدور الداعم للإرهاب قامت بمقاطعة قطر، متمثلة في الدول الأربع المعروفة، فلم يكن ذلك بدافع قطع صلة الرحم أو الإقصاء، بقدر ما هو رغبة في الاحتواء والمراجعة والعودة للرشد، فقطر دولة عربية بنت الجزيرة وعضو في مجلس التعاون الخليجي وكل روابط الدم والنسب واللغة والدين والعرف وقل ما تشاء. فليس لقطر إلا عروبتها التي تنكرت لها لإرضاء دوائر سياسية باتت مسيطرة عليها مما جعل قطر غير قادرة على اتخاذ القرار! إن فشل المفاوضات بين الشقيقات الأربع وقطر لا يعدو سوى فشلها كوسيط لدول تحكم قبضتها عليها مثل إيرانوتركيا وأيضاً إسرائيل؛ فهي تبدو لنا في دور المفاوض الباحث عن حلول لكنها في حقيقة الأمر هي الوسيط، وليست دولة الكويت كما يتم في العلن بينما في الفناء الخلفي لقطر يقبع أصحاب القرار، تلك القوى المسيطرة والتي أصبحت قطر هي الأداة المنفذة لمطالب من هم خلف الجدار، ونعتقد أن صلب هذ التفاوض يصب في محوره الأساسي، وهو أولاً أن يكون هناك تغيير جوهري في مسلكها ولا سيما في سياستها الخارجية التي أيدت فيها الدوحة أطرافاً مناوئة في عدة صراعات إقليمية عربية ومحلية. فحينما يقول أحد الدبلوماسيين: إن السعودية أرادت ترتيباً جديداً مع قطر يتضمن التزام الدوحة بتعهدات جديدة على نفسها. ويقول آخر - بحسب رويترز-: إن هذه فكرة "مجهضة من البداية بالنسبة لقطر؛ وذلك لوجود خلافات كثيرة في السياسة الخارجية". ولذلك هو يرى أن الأمر مجهض منذ بدايته لعلمه أن الأمر قد خرج من يد قطر التي فرشت حرم أراضيها لدول مناوئة للعرب وللعروبة نفسها؛ فوجود تركيا بقواعدها وشرطتها وسلاحها وعتادها، فأصبحت صاحبة القرار كما في ذلك النفوذ الإيراني وتلك التداخلات الإسرائيلية وكل هذه الشبكة المتشابكة الطامعة في الجزيرة العربية برمتها هي بيت عنكبوتي أوقعت قطر نفسها فيه. سبق وأن كتبت مقالاً عن زيارة أحد المسؤولين الإيرانيين الكبار للعراق وكان يقول في خطابه: "أنتم إخوتنا" وكان المقال بعنوان (هؤلاء ليسوا إخوتكم) معددة كل ما كانت تقوم به إيران من حروب ودماء ومعارك وعداء منصوب بلاشك ولا مراء. تمر الأيام وينقضي شهر العسل بينهما بهبة الشعب العراقي ضد تلك القبضة الإيرانية والتي تشبه القبضة على قطر، وإن تعددت المقابض على الأخيرة؛ فالعروبة واحدة والجزيرة العربية بنت أبية، تأبى أن يطأها رجل غريب كعادة البيوت العربية المحرمة على الغرباء، ولكن السكرة كبيرة والخطوط متشعبة والمخالب تنشب أطرافها في لحم الأم التي تأبى هذا المخلب الدخيل الطامح للالتهام والسيطرة، فلا هي تتمنى في الوقت ذاته نجاح هذا التفاوض لعلمها أن الوحدة والصلح يهددان مصالحها في قطر ذاتها كركيزة استراتيجية لا يمكن تعويضها، "يقول مصدر صحفي مطلع من أبو ظبي لعربي برس فضل عدم ذكر اسمه: إن المعلومات التي وردتنا مؤخراً تفيد بأن النظام التركي كان ينسق بشكل حثيث مع قطر قبل توجه دبلوماسييها إلى مفاوضات مع السعودية، حيث طلب الأتراك من القطريين أولاً التشدد في مطالب فتح الحدود والمجال الجوي وحرية التنقل، لعلمهم أن الرياض قد لا تقبل بهذا الأمر قبل الحصول على ضمانات، ولعلم أنقرة كذلك أن الدوحة لا تستطيع الابتعاد عنها كون المطلب الخليجي الأكبر هو تغيير جوهري في السياسة القطرية، والجوهر السياسي لدى الدوحة الآن هو تركيا وفق المصدر"..