يصف لنا مارك توين مثالاً على الخوف من الخسارة، محذراً من أثر المرارة التي تكاد لا تزول، يقول: إن القطة إذا جلست على صفيح ساخن فإنها لن تجلس عليه مرة أخرى، حتى ولو كان الصفيح بارداً وإن كان مليئا بالطعام، هذه الظاهرة التي وصفها مارك توين تسندها أمثلة من حياتنا اليومية، خصوصا ذات العلاقة بالاستثمارات المالية. سنجد أن متخذ القرار إذا أخطأ مرة، يصعب عليه أن يتخذ قراره بمعزل عن خطئه السابق، حتى وإن تغيرت الظروف وأصبحت من صالحه، إن الاستثمار الذي اخترته أمس وخسرته اليوم لن تختاره غداً، ولا بعد غد، ستظل الخسارة عالقة في الذاكرة، كمثال القطة تماماً، قرار أمس يظل مؤثراً ولو بعد حين حتى يصبح سجين قراراته السابقة. يشير مثال مارك توين إلى انحياز متخذ القرار نحو النفور من الخسارة حتى وإن كانت المكاسب بينة فتجربة الخسارة أقوى تأثيراً. ومع تكرار الخسارات التي يتعرض لها متخذ القرار فإنه سيميل إلى قرارات تؤدي إلى نتائج أقل خطراً وأكثر استقراراً، ويحيط بالنفور من الخسارة انحياز آخر هو النفور من الندم، فمع وجود هاجس الخسارة متمثلا في قراراته، قد يلجأ متخذ القرار إلى قياس النتائج بمقدار الندم الذي سيشعر به لو لم يتخذ القرار الصحيح، مما يؤدي إلى اتخاذ القرار لتجنب الندم لا تجنب الخسارة، ففي مقابل الشعور بالخسارة قد يرتبط الندم بفقدان فرصة الربح أيضاً، بل ربما ارتبط الشعور بالندم بالموقف من الخسارة والربح عندما يقع في أسوأ الخسارتين، أو يحقق أقل الربحين. إن النفور من الندم يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير متماثلة، فلو افترضنا أن أحدهم اشترى - استثمر في شركة متوسطة حسب توصية أحد الأصدقاء، وبعد ستة أشهر انخفضت قيمة الشركة خمسين بالمئة، فإن أي توصية للاستثمار في شركة أخرى سيدفع به إلى بحث القرار ودراسته قبل اتخاذ قرار الشراء. لكن لو ارتفعت قيمة الشركة خمسين بالمئة، فإنه سيستثمر في أي شركة أخرى بناء على توصية الصديق دون دراسة أو بحث. كما مر معنا سابقاً، إن النفور من الخسارة أكبر تأثيراً من الرغبة في الكسب، وفي حالة صفيح مارك توين فإن للخسارة أثراً طويلاً قد يفسره النفور من الندم، ففي حالة النفور من الندم فإن متخذ القرار يلوم نفسه في حالة الخسارة بقياس مداها، وفي حالة الربح بقياس ما فاته لو اتخذ قراراً آخر، وقياسا على شعوره بالندم في الحالتين سيتخذ قراراً مختلفاً في المستقبل. إن الوعي بالقرارات التي اتخذت تحت تأثير النفور من الندم يعين على تجاوز الوقوع تحت تأثيره بالرجوع إلى القرارات السابقة، عليه أن يسأل: هل أصبحت مغامرًا لأنني لم استثمر فرصة تبين مكسبها لاحقاً، وهل أصبحت متحفظاً بمجرد أن وقعت في خسارة كبيرة؟.