بالتأكيد سمعت عن الروائي الأميركي الشهير "مارك توين", الذي كتب في كل شيء تقريباً من الخيال التاريخي إلى التعليق الاجتماعي, ومن الأدب الفلسفي إلى النقد الأدبي, غير أن رأس المال الأساسي لموهبة "صمويل كليمنس" - وهو الاسم الحقيقي لتوين - كان غنى تجاربه الحياتية وممارسته للغريب من المهن والأعمال, فمن صبي مطبعة إلى كاتبٍ ساخر, ومن قبطان سفينة بخارية إلى دارسٍ لما وراء الطبيعات, ومن رحالة إلى مخترع. لكن ورغم كثرة الأقوال المنسوبة له, إلا أن حديثه عن الندم يكاد يكون الأكثر تداولاً, إذ يقول: "بعد عشرين سنة من الآن؛ ستندم على الأشياء التي لم تفعلها لا على الأشياء التي فعلتها"! وهنا مربط فرس التقدم إلى الأمام, فنحن جميعاً نتعرض يومياً للكثير من الاحتمالات ونحتاج إلى اتخاذ القرارات سواء كانت اللحظية أو تلك التي تؤثر على مسيرة حياتنا, بيد أننا غالباً ما نركن للتحفظ والبقاء ساكنين, رغم أن جرأة تجربة الاحتمالات, سوف تقودنا إلى الخيار الأكثر ملائماً لنا. توجسنا من اتخاذ قرار ما يعود إلى الخوف مما قد يواجهك من شعور بالندم على القرار, أو الحسرة أن يكون حالك اليوم أفضل لو تجاوزت الموقف بلا قرار! وهذا بالطبع غير صحيح, فقرارك السابق يُفترض أنه بني على معلومات وشواهد وخبرات, وكان القرار الأفضل في حينه, ولو عاد بك الزمن وفي نفس الظروف سوف تتخذ نفس القرار, المأساة هنا أن تبقى مُضيعاً وقتك وفكرك في حدثٍ من الماضي انتهى ولن يعود! حينما تتشجع لخوض غمار تجربة جديدة؛ فأنت تفتح باباً أوسع لخبرات حياتك وتضيف فصلاً لما تفخر به, فمثلاً ها هو صاحبنا "مارك توين" يتخذ قراره الالتحاق بأخيه في "نيفادا" ليضطر الارتحال عبر منطقة السهول العظمى وجبال الروكي, وفيها يقابل ويتعامل مع مجتمعات "المورمون", ثم ليستلهم منهم كتابه "الحياة الخشنة", ناهيك عن رحلته عبر نهر "المسيسبي", حينما أوحى له قبطان السفينة البخارية بالعمل قبطاناً مثله, مما جعله يستغرق سنتين من عمره حتى يمسي قبطاناً, وليخرج من تجربته هذه بروايته الشهيرة "مغامرات توم سوير". هذا من جانب ما قدر يقودك اتخاذ قرار ما إليه وليس البقاء بلا قرار, أما الأجمل هنا فهو أن أبحاث علم النفس تؤكد يوماً بعد يوماً أننا كأفراد نُقدر ونفخر بتجاربنا – حتى لو كانت مريرة أو غير ناجحة - أكثر بكثير مما نملك من مال أو نفوذ. وأي قراءة سريعة لسير الناجحين لتجد أنهم وفي لحظة فارقة قد اتخذوا قرارا كان ليبدو أنه قرار غير حكيم, لكنهم لو لم يتخذوه لبقوا طوال عمرهم يعضون أصابع الندم. بالطبع التفكير المسبق بالقيام بالأشياء وعواقبها مهم, لكن لا يجب أن تبقى هكذا دون أن تقوم بشيء فقط لتحمي نفسك من ألم "الندم", فلا أسوأ من أن تبقى متحسراً على ما لم تفعل, بدلاً من أن تندم على ما فعلت.