وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي إحدى الوزارات الجديدة التي أنشأت في عهد الملك سعود - رحمه الله - وذلك في 1380ه، في التشكيل الوزاري، فكان أول وزير لها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي بن عبدالعزيز، ثم بعده الأستاذ ناصر المنقور، ثم الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله أبا الخيل، وهو شخصيتنا هذه التي اتصلت به لأول مرة قبل عدة أشهر - أي قبل عام تقريباً - لأسأله عن صديقه وقريبه الشيخ العالم المحقق محمد بن سليمان البسام - رحمه الله - فقد كانت بينهما مودة أكيدة وصداقه عميقة، ووشائج المحبة والوفاء كانت هي الأسس التي كانت عليه صداقتهما، سمعت صوته وكلامه وتحدثت معه قليلاً فكان كلامه الموجز ينبئ عن رقة في الشعور وسلاسة في التعامل مع من يتحدث معه، ولم أشعر من كلامه بفوقية أو استعلاء أو علو رغم أنه وزير وسفير وهو وجيه من الوجهاء، وقد شكرني - جزاه الله خيراً - على مقالي عن الشيخ محمد بن سليمان البسام، وأثنى عليه وهي شهادة أقدرها حق قدرها منه، وفقه الله وختم له بخير، وهنا يسعدني أن أتحدث عن بعض محطات رحلة حياته ومشواره في المناصب التي تولاها. هو عبدالرحمن بن عبدالله بن منصور أبا الخيل، وُلد في عنيزة عام 1344ه، حيث كانت عنيزة مرحلة الطفولة والصبا، وقد وُلد في منزل جده لأمه عبدالله بن حمد البسام التاجر المشهور بالهند، ووالد الطبيب حمد بن عبدالله البسام الذي تحدثنا عن سيرته قبل شهر أو أكثر؛ فالطبيب حمد هو خال الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل، فعاش بين أخواله وبين عناية عمه صالح أبا الخيل، ولأن والده عبدالله أبا الخيل كان أكثر إقامته هو ووالده منصور بالبصرة، لذلك عاش الأستاذ عبدالرحمن في عنيزة وتعلّم فيها، وكانت الخطوات الأولى لتعليمه، حيث تعلم أبجديات القراءة والكتابة عند المعلم الشيخ عبدالعزيز الدامغ - رحمه الله -، لكن عبدالرحمن لم يدم طويلاً في هذه المدرسة، وكان من حسن حظه أن المعلم والمربي المبدع الشيخ صالح بن صالح - رحمه الله - قد فتح أبواب مدرسته الحديثة في طريقها وأسلوبها ومنهجها، فيمم عبدالرحمن وجهته إلى هذه المدرسة ومنها تعلّم ودرس على يد المعلم ابن صالح، ووجد المعلم من تلميذه حرصا على التعلم ونباهة، فكان أن تبنى تلميذه عبدالرحمن بالتشجيع والدعم المعنوي والمحفز.نشيد الصباح يقول د. عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله -: «عندما فتح الأستاذ صالح الناصر الصالح مدرسته المميزة كان الأخ عبدالرحمن أبا الخيل من أوائل الملتحقين بها وكان بارزاً في هذه لمدرسة «مدرسة ابن صالح الأهلية» لذكائه وفطنته وحسن تربيته، مما جعله ينصرف إلى المدرسة وينقطع إليها، وقد لاحظ الأستاذ صالح ما يتمتع به تلميذه فكان يقدمه في الاحتفالات، وكان هو الذي ينشد النشيد في الصباح لجمال صوته ولشجاعته وأدائه ما يوكل إليه بحماسة وإتقان وجرأة»، وواصل الأستاذ عبدالرحمن الدراسة مع أستاذه ومعلمه ابن صالح، وجاء العام 1356ه وهو افتتاح أول تعليم نظامي حكومي في عنيزة فيكون أول الداخلين لهذه المدرسة وهي المدرسة العزيزية، انضم عبدالرحمن في مدرسة العزيزية مع زملائه، ويروي د. عبدالعزيز الخويطر ذكرياته عن هذه المدرسة حول الأناشيد التي كان ينشدها عبدالرحمن أبا الخيل في الطابور الصباحي ومنها هذا النشيد: سمعت شعراً للعندليب تلاه فوق الغصن الرطيب إذ قال نفسي رفيعة لم تهو إلاّ حس الطبيعة وبعدما أنهى أبا الخيل دراسته في المدرسة العزيزية سافر إلى البصرة حيث يقيم والده، وكانت مدرسة النجاة بالزبير من أشهر المدارس النظامية، وقد درس في هذه المؤسسة التعليمية الفذة، وهكذا حظي بمدرستين نظاميتين جديدتين تنتهج الطرق الحديثة في التدريس والمقررات الدراسية. حياة وظيفية وبدأ عبدالرحمن أبا الخيل أول الحياة العملية وعالم العمل، فقد درّس في المدرسة العزيزية بعنيزة، ويقول عن هذه المحطة في حياته: «بعد أن جئت إلى عنيزة وجدت المدرسة الحكومية قد افتتحت وكان الأساتذة ومعرفتهم بي عندما كنت طالباً وكانوا يتمنون أن يجدوا أشخاصاً يدرّسون معهم واعتبروني في ذلك الوقت كخريج جامعة والمعلومات التي كانت جيدة بالنسبة للتدريس سواءً كانت دروس رياضيات أو حساب أو هندسة، وأقنعوني بأن أساعدهم في التدريس في المدرسة ووافقت والتحقت بالتدريس في المدرسة العزيزية»، ويذكر أنه درّس الحساب والهندسة. معهد علمي وانتقل عبدالرحمن أبا الخيل إلى مكة لمواصلة الدراسة وإكمال المشوار العلمي، فدرس في المعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة وانتظم فيه ثلاثة أعوام، وكانت له صفحة من صفحات حياته الدراسية في مكةالمكرمة والاختلاط بالمجتمع الطلابي والمكي والاستفادة من أساتذة المعهد العلمي السعودي وبالخصوص الأستاذ مدير المعهد، وكذلك الأستاذ الأديب المشهور المعلم عبدالله بن عبدالجبار الذي يقيم مسامرات أدبية بين الطلاب، وهذا الأخير أصبح فيما بعد المسؤول عن البعثات الطلابية في مصر، وبذلك توثقت العلاقة بين الأستاذ عبدالله بن عبدالجبار وبين التلميذ، فقد درس على يديه في مكةالمكرمة وتعلّم منه الشيء الذي ليس بالقليل، ثم أتت مرحلة مصر الدراسية فكان مسؤولاً عن البعثة. رحلة مصر وكانت رحلة عبدالرحمن أبا الخيل إلى مصر، وهي أول مرة يضع قدمه على أرض مصر التي هام بحبها، وسوف يتلو هذه الرحلة رحلات واستقرار وإقامة رسمية وغير رسمية، وانضم إلى كلية الآداب جامعة فؤاد، وكان من ضمن الأساتذة د. طه حسين ود. بنت الشاطئ، وكانت الدراسة في القاهرة وتاريخ بدايتها هو العام 1947م حتى العام 1953ه؛ كانت خمسة أعوام متوالية ذاخرة بالذكريات والأيام من حياة الأستاذ عبدالرحمن، ذكر منها عبدالعزيز الخويطر في مقدمته للكتاب الذي أصدره د. عبدالرحمن الشبيلي - رحمه الله - وفاءً منه وتوثيقا لسيرة أبا الخيل، وكم للدكتور الشبيلي من أطروحات توثيقية وسير لأعلام الوطن وشخصيات وطنية، ومنها هذا الكتاب عن الأستاذ عبدالرحمن الذي استفدت منه كثيراً في سيرته ومسيرته. حياة رسمية وبعد تخرّج عبدالرحمن أبا الخيل من جامعة القاهرة «فؤاد» رجع إلى وطنه، يقول الأستاذ عبدالرحمن عبر سؤال وجهه إليه د. الشبيلي: «رجعنا إلى المملكة والشهادة التي نحملها في ذلك الوقت من الشهادات العليا والكبيرة والنادرة والتحقنا بوزارة الخارجية مباشرة»، وبعدها يقول: «تقريباً جلسنا عامين في الخارجية ثم أوفدنا أنا وبعض الزملاء إلى القاهرة كملحقين سياسين»، مكث الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل في القاهرة مرة أخرى بعد دراسته، عاد إليها وسوف يعود إليها مرات والعود أحمد وأطيب، ثم نُقل إلى السفارة السعودية في بيروت بنفس طبيعة العمل ثم نُقل إلى وزارة الخارجية بأمر من وزير الخارجية آنذاك - الملك فيصل رحمه الله - حينما كان ولياً للعهد ووزيراً للخارجية، لكنه جاءه قرار رسمي بالانتقال من الخارجية إلى وزارة المالية مديراً عاماً بالوزارة، وبعد وزارة المالية نُقل إلى وزارة الخارجية وفي مرحلة محددة انتقل إلى القطاع الخاص في شركة الإسمنت بجدة إعارة فقط، وكان عضواً منتدباً بالشركة. وزيراً للعمل وفي العام 1381ه صدر القرار الملكي بتعيين الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، وكانت وزارة جديدة لتوها قد أُنشئت، وتولى الوزارة قبل أبا الخيل وزيران، لكنه بقي في هذه الوزارة مدة طويلة منذ العام 1381ه - أكثر من خمسة عشر عاما -، يتحدث عن هذه المحطة المهمة في حياته قائلاً: «جئنا للوزارة وكانت فتية ولم تنتظم؛ لأنها كانت عبارة عن شعبة من وزارة المالية نشرف على أرامكو وعمالها، وكان كل عملها منصباً على العمل والعمال، وبعد أن توليت العمل - أي في الوزارة - رغب سمو الأمير فيصل - الملك فيصل - فيما بعد أن تكون وزارة متكاملة، وتكوّنت بمساندة الأمير فيصل، وكان نظام العمل في مجلس الشورى بمكةالمكرمة، وهو عبارة عن مواد»، ويسترسل عن الأمور التي أحدثت في الوزارة وعن مواكبتها للنظم الحديثة قائلاً: «أمرنا - أي الملك فيصل - بأن نحضر خبراء سواءً من داخل المملكة أو خارجها ويكون نظاما شاملا للعمل في المملكة ويلغى النظام القديم الخاص بأرامكو»، ويضيف عن إحداث مكاتب للضمان الاجتماعي وهي مكاتب تؤسس في مدن المملكة وتكون الزكاة التي تتحصل وتؤخذ من الأغنياء تصرف على مصارفها، ويذكر أنه افتتحت مكاتب للضمان الاجتماعي وهي 25 مكتباً وعُيِّن فيها 125 موظفاً، يقول عبدالرحمن: «وبدأ العمل - أي بمكاتب الضمان - وبدأت الحالات تصل إلى المكاتب وبدأ البحث عن حالات الفقراء والمطلقات والأرامل». نظام التأمينات ومن الأنظمة التي استحدثت في وزارة العمل نظام التأمينات الاجتماعية، ويذكر الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل أن كُمّل في مدة قصيرة بواسطة خبراء بمواد مريحة وممتازة، واستقدم الخبراء كذلك لأجل هذا النظام ونظام العمل كما ذكر من قبل، وهؤلاء الخبراء من منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، ومن الخبراء في ديوان مجلس الوزراء وفي وزارة العمل، وتكوّنت لجنة تضع مواد وأسس هذا النظام، وبعد الدراسة الشرعية والنظامية أُقرت وصدر القرار الملكي للنظامين. وفعلاً فإن هذين النظامين لهما استحداث جديد في الوزارة الفتية في عهد وزيرها أبا الخيل، وثمة قرارات استحدثت في وزارته وأنظمتها لا يزال بعضها يعمل به حتى الآن، يقول د. يوسف العثيمين - وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق - عن عبدالرحمن أبا الخيل: «استطاع أن يُصدر نظام التأمينات الاجتماعية مع أنه كان محفوفاً بحساسيات شديدة، ولكن الحكمة والهدوء مع دعم الفيصل مكنته من إقراره، فكان منتجاً عظيماً في حينه، ثم استصدر نظاماً جديداً متكاملاً للعمل السعودي وما زالت أغلب نصوصه ومواده معمولاً بها حتى اليوم مع ما طرأ عليها من تعديلات»، وفي مجال إعداد الشباب السعودي وتأهيله، يذكر د. يوسف العثيمين عنه؛ أن أبا الخيل اهتم بإعداد الكوادر البشرية فقد جعل الوزارة تستقطب وتبتعث العشرات من الشباب للدراسات العليا خارج المملكة. ماذا قالوا عنه؟ يقول الأستاذ عبدالله النعيم عن عبدالرحمن أبا الخيل: «في جميع أطوار حياته مدرساً في عنيزة وطالباً في مكةالمكرمةوالقاهرة وموظفاً في وزارتي الخارجية والمالية كان مجداً في عمله ودراسته، محبوباً من زملائه طلاباً أو موظفين، لدماثة أخلاقه وشفافية نفسه، وهو ممن يحاربون المركزية في العمل ويشجعون على إتاحة الفرصة للعاملين معه على الإنتاج، لذا فقد قدّم خطوة لم يسبقه إليها أحد - وهي إعطاء صلاحية كاملة لكل وكيل -»، ويتحدث الأستاذ جميل الحجيلان قائلاً: «التقيت به عرضاً في دار البعثات السعودية في القاهرة، ما إن عرف مدينة الانتماء حتى كانت استجابته لذلك اللقاء حفية مفعمة بمشاعر الطيبة والترحيب الطيبة العفوية المتأصلة فيه، سمة بارزة من مكونات شخصيته»، ويضيف د. رضا عبيد عن شخصية أبا الخيل قائلاً: «الكتابة عن الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل يغلب عليها الحب والتقدير، هذه الشخصية الكبيرة في مقامها المتواضعة في سلوكها، الوفية لأصدقائها ومحبيها لا أجد ما أسميه إلاّ بالصديق الوفي؛ لأنه يدخل القلوب بحبه وتواضعه وكرمه ونبل أخلاقه، في كل مرة نجلس إليه نستفيد من خبراته الطويلة في خدمة الدولة في مختلف المجالات، وزيراً وسفيراً ومديراً عاماً، وعضواً بمجلس الشورى في دورته الأولى». سفير في مصر وبعد رحلة وزارة العمل عُيِّن عبدالرحمن أبا الخيل سفيراً للمملكة في مصر، هذه مصر يعود إليها بعد عقدين من الزمان أو أكثر، الآن عاد وهو يمثل وطنه الأول المملكة، وليست الدبلوماسية شيئا جديدا عليه، بل هو يعرف الدبلوماسية منذ وقت مبكر بعد تخرجه تعين في الخارجية ثم ملحقاً سياسياً في القاهرةوبيروت، وقام خير قيام بهذه المهمة والمسؤولية الدبلوماسية في أكبر بلد عربي فهو الدبلوماسي الماهر الحاذق. عضوٌ شوريٌ وعُين في الدورة الأولى في مجلس الشورى، واستمر في هذه الدورة مقدماً خبراته وتجربته في خدمة هذا المجلس حتى انتهت عضويته. وفي الختام فإن الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل أحد شخصيات الوطن في الوزارة والدبلوماسية، حيث تمت البنية الأساسية لوزارة العمل عندما كان وزيراً للعمل، وقد وثّق المحطات صديقه الوفي د. عبدالرحمن الشبيلي - رحمه الله - الذي رحل عن الدنيا في العام المنصرم. أشكر الشيخ منصور بن محمد البسام على إهدائي هذا الكتاب، ودائماً يهدي الشيء الجميل والممتع والنفيس. مع الرئيس السادات عندما كان سفيراً للمملكة في مصر عبدالرحمن يقف خلف والده عبدالله ومعه أخواه منصور وصالح في القاهرة 1956م عبدالرحمن أبا الخيل عندما كان وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية يُعد إحدى شخصيات الوطن في الكفاءة والدبلوماسية أبا الخيل في أحد المؤتمرات إعداد- صلاح الزامل