وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مترو الرياض    إن لم تكن معي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة عبد الرحمن أبا الخيل

يتذكر عبد الرحمن بن عبد الله المنصور أبا الخيل، ثالث وزير للعمل والشؤون الاجتماعية والسفير الأسبق في مصر أيام حكم أنور السادات، أنهم كانوا يُذاكرون دروسهم عصرا على قمة جبل هندي، وما إن تغرب الشمس حتى ينسلوا تباعا إلى أروقة المسجد الحرام، وبعد صلاة المغرب يواصلون مراجعة دروسهم واستذكارها، ولا تزال ذاكرته تحتفظ بصور شتى من الفترة التي قضاها طالبا في مصر، وكان لأمين الخولي تأثير كبير في عبد الرحمن أبا الخيل، وعندما يذهب هو وزميله ناصر المنقور إلى الخولي في بيته في مصر الجديدة، كان ""الخولي"" يخاطب الواحد منهما بقوله: يا حجازي! في بيروت عاتبه الملك فيصل بن عبد العزيز (الأمير آنذاك) على تفضيله العمل في الخارج، وما إن عاد الأمير فيصل إلى مكتبه حتى صدر قرار بنقل أبا الخيل إلى ديوان وزارة الخارجية في جدة. غدا الإثنين تكرم محافظة عنيزة عبد الرحمن أبا الخيل تقديرا لجهوده التي بذلها لأكثر من نصف قرن، في التعليم والإدارة والوزارة والسفارة، وبالتزامن مع هذه المناسبة تنشر ""الاقتصادية""، اليوم وغدا، ملامح ومحطات من سيرة عبد الرحمن أبا الخيل.
مع الملك فيصل في نهائي كأس الملك، ويبدو الأمير فيصل بن فهد مدير عام رعاية الشباب.
المولد والنشأة
قبل قرون عدة، وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة، حطّ عدد من الأُسر النجدية في جنوب العراق، واتخذت من مدنه محطّات توقف وانطلاق. هناك من اكتفى منهم بالبصرة وبغداد وهناك من انطلق شرقاً يسوح ويجوب في الهند وبلاد السند! ولا تذكر الأُسر النجدية التي ألقت الرحال في جنوب العراق إلا وتذكر في الطليعة أُسرة (آل أبا الخيل). هذه الأُسرة العريقة المتجذرة في القصيم ومدنه، خاصةً مدينة بريدة، التي شاخوا فيها ودانت لهم زعامتها وإمارتها في فترة زمنية مفصلية في التاريخ السعودي الحديث، وكذلك مدينة عنيزة، التي كان للأُسرة فيها حضور فاعل على مدى عقود.
كان عبد الله المنصور أبا الخيل - أحد أبناء عنيزة - من التجار الأثرياء الذين واصلوا سير الآباء والأجداد ومسيرهم في الدرب التجاري الطويل ما بين عنيزة والبصرة، لذلك كان كغيره من التجار ممن يكون له أكثر من زوجة، زوجة في مسقط الرأس وأخرى في مدينة التجارة. ومن زوجته حصة عبد الله البسام التي كانت مقيمة في عنيزة رُزق بمولوده ""عبد الرحمن"" عام 1345ه، (1925م)، الذي نشأ في منزل خؤولته آل البسام ودرس في كتاتيب عنيزة ثم مدرستها الأولى التي تم إنشاؤها عام 1937، قبل أن يُعلن عن عزمه ورغبته في السفر الطويل نحو البصرة، حيث والده. وهناك قرر والده إلحاقه بمدرسة ""النجاة"" في الزبير، فدرس على أيدي معلميها، وتخرج فيها ثم عاد إلى مسقط رأسه عنيزة ليمارس مهنة التعليم مع مَنْ علّمه فيها الحرف الأول قبل سنوات معدودات، وهو المعلّم الرائد صالح بن صالح.
إلى مكة المكرمة
كانت الطلائع النجدية المتعلمة حينذاك، ممن يتوافر منهم على همة وطموح، ترنو إلى المعهد السعودي في مكة المكرمة وإلى مدرسة تحضير البعثات ويحدوهم الأمل من أجل اللحاق بهاتين المَعْلَمتين، اللتين كانتا أساساً وركناً ركيناً في تأهيل وتعليم رجالات، صاروا هم القادة والمسوؤلين عبر مسيرة طويلة من مسيرات العمل التنموي والإداري الذي شهدته المملكة طيلة العقود الثمانية الماضية، لذلك ليس غريباً على عبد الرحمن أبا الخيل أن يُقرّر مرةً ثانية السفر والترحال شطر البيت الحرام، ليلتحق بالمعهد السعودي طالباً مجتهداً بحضرة معلمين أكفاء على رأسهم مدير المعهد السيد أحمد العربي، ومن بينهم محمد شطا وحسين فطاني، وغيرهم.
وقد روى لي - حينما التقيته في منزله في حي الخالدية في مدينة جدة يوم الخميس الثاني من كانون الأول (ديسمبر) 2010، ضمن مشروع كتابة سيرة زميله ورفيق دربه وعديله الشيخ ناصر المنقور - كيف كان تأثير البيئة الحجازية عليه وعلى زملائه الطلبة النجديين، وكيف كانوا يقضون وقتهم في مسامرات أدبية وثقافية، خاصة الندوة الثقافية الأدبية التي تقيمها اللجنة الثقافية المنتخبة في المعهد مساء كل خميس، التي كان ناصر المنقور يعمل سكرتيراً لها ويساعده محمد فدا. وكيف كانوا يرتادون مكتبة الثقافة في باب السلام لصاحبيها صالح وأحمد جمال من أجل القراءة والاطلاع على أحدث المجلات القادمة من مصر.
يذكر عبد الرحمن أبا الخيل أنهم كانوا يُذاكرون دروسهم عصراً على قمة جبل هندي، وما إن تغرب الشمس حتى ينسلوا تباعاً إلى أروقة المسجد الحرام، وبعد صلاة المغرب يواصلون مراجعتهم لدروسهم واستذكارها في الحرم الشريف نظراً لوجود ""أتاريك"" الإنارة! وكان رجال الحسبة كثيراً ما يطردونهم من المسجد الحرام إذا ما شاهدوهم يقرأون مادة اللغة الإنجليزية، إذ يتساءلون كيف تجيزون لأنفسكم الدخول بهذه الكتب إلى أروقة المسجد الحرام؟!
كان الطالب عبد الرحمن أبا الخيل أثناء دراسته في المعهد يسكن في غرفة تتسع لعدد كبير من الأشخاص! وكان يشاطره السكن فيها ناصر المنقور وعبد الرحمن المنصور وطه قرملي وأحمد زكي يماني وعبد الله حبابي!
في عام 1367ه، تخرج عبد الرحمن أبا الخيل في المعهد السعودي متأهلاً للدراسة في خارج المملكة، وهو الطموح الذي كان يتمناه ويرجوه، منذ أن غادر مدينته عنيزة، وقد تخرج معه عدد من زملائه من أبرزهم: إبراهيم الحجي، وحسن شاذلي، وأحمد الخيال، وسعيد بوقري، وناصر المنقور، وعبد العزيز فلمبان، ومحمد الفريح، وناصر بوحيمد، وعبد الله بوقس، وعبد الرحمن المنصور، وآخرون.
إلى آداب القاهرة
بعد أيام من الترقّب، وجد عبد الرحمن أبا الخيل نفسه مع عدد من زملاء الدرب في مواجهة مع البحر، في تجربة فريدة يخوض غمارها لأول مرة، حينما غادرت باخرة ""تالودي"" ميناء جدة إلى ميناء السويس، تحمل الشباب الطموح، الذين يحدوهم الأمل متطلعين بشوق غامر إلى لقاء القاهرة وعناقها، بعد أن سمعوا عنها من زملاء سابقين وبعد أن غرفوا من بحر آدابها وفنونها مما كانوا يقرأونه من مجلات تصل إليهم في مكة المكرمة من زملاء سبقوهم إليها بإحسان!
بعد أيام من التعب والتأقلم مع دوار البحر، رست الباخرة في مينائها المصري، وأُخذ الشباب السعودي إلى القاهرة، حيث مقر البعثة التعليمية، ليتم عمل الإجراءات اللازمة نحو القبول الجامعي والسكن في دار البعثة.
سكن أبا الخيل مع زميله يوسف الحميدان في بادئ الأمر، ثم مع عبد الرحمن الذكير، غير أن مشكلة واجهت أبا الخيل وغيره من الطلبة القادمين من مكة المكرمة، وهي مشكلة عدم إجادة اللغة الإنجليزية إجادةً تامة، ولن يكون هناك قبول إلا بعد اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية، لذلك قرر أبا الخيل وزميله ناصر المنقور أن يُمضيا شهور الصيف في تعلّم اللغة الإنجليزية رغم صعوبة الحصول على الدروس الخصوصية في ذلك الزمن وصرامة المجتمع تجاهها - كما يقول أبا الخيل - لكنهما استطاعا الحصول على مدرس خصوصي قدم لهما الدروس في منزله.
بعد اجتيازه امتحان اللغة الإنجليزية انتظم عبد الرحمن أبا الخيل طالباً في كلية الآداب في جامعة فؤاد في تخصص ""لغة عربية ولغات شرقية"" وقد اختار تعلّم اللغتين الفارسية والعبرية ضمن اللغات الشرقية.
وكانت كلية الآداب حينذاك منارة من منارات التنوير في الوطن العربي، وكانت محط آمال وتطلعات الشباب والفتيات في ذلك الوقت، وكان الشاب السعودي الذي لا ينوي مواصلة دراسته الجامعية في مجال الطب أو العلوم أو القانون، فإن طموحه الالتحاق بكلية الآداب، غير أن بعضاً منهم يرغمون على دخول كلية دار العلوم! ومنهم من يدرس سنة أو سنتين في دار العلوم ثم يحوّل إلى كلية الآداب، المُشرقة بوجوه فتيات مضيئات، إذ كانت هي الكلية الوحيدة حينذاك التي تسمح بالدراسة المختلطة بين الجنسين، لذلك ليس غريباً أن يحرص الشاب على الالتحاق بهذه الكلية.
أيضاً مما يرغّب الشاب السعودي المؤهل ثقافياً في الالتحاق بكلية الآداب وجود أسماء ثقافية وأدبية كبيرة ولامعة وساحرة على مستوى الوطن العربي، فكان البعض يتطلع إلى الدراسة على أيدي هؤلاء الأساتذة الكبار.
يقول ناصر المنقور عن تلك الفترة وعن تلك الأسماء اللامعة: (كنتُ أُخطط للالتحاق بدار العلوم، فقد كان يُدرس لنا المرحلة الثانوية في مكة المكرمة الرعيل الأول من المبتعثين السعوديين، الذين تخرجوا في كلية دار العلوم.
وفي القاهرة أغراني وأنا أتابع أوراقي وجود أسماء لامعة يدرسون في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة فؤاد، أمثال: الدكتور طه حسين، وأمين الخولي، ومصطفى السقا، وأحمد أمين، وأحمد الشايب، والدكتور يحيى الخشاب، والدكتورة سهير القلماوي، وعميد الكلية الدكتور عبد الوهاب عزام.
وهكذا أغرتني هذه الأسماء، ووجدتُ نفسي أدرس اللغة العربية، وقد شجعني ما كنتُ ألقاه من هؤلاء الأساتذة العمالقة).
وهنا مع والده عبد الله أبا الخيل، ويبدو وأخواه منصور وصالح في القاهرة 1956م. (الصور المنشورة في هذه السيرة مأخوذة من كتاب «وفاء لوفاء» للدكتور عبد الرحمن الشبيلي)
دونما شك، فإن عبد الرحمن أبا الخيل تأثر كثيراً بهذه الأسماء اللامعة، وكان أمين الخولي صاحب التأثير الأكبر، وقد انضم عبد الرحمن أبا الخيل وزميله ناصر المنقور إلى جماعة ""الأمناء"" (نسبةً إلى أمين الخولي)، وكان وزميله المنقور يذهبان إلى أمين الخولي عصراً في بيته في مصر الجديدة، وكان يخاطب الواحد منهما بقوله: يا حجازي!
وإذا كانت علاقة عبد الرحمن أبا الخيل بأستاذه أمين الخولي قد انقطعت بعد التخرج والانخراط في العمل الوظيفي، فإن ناصر المنقور ظل على علاقة بأستاذه الخولي، بحكم العمل الوظيفي الذي تبوأه المنقور لاحقاً في قطاع التعليم ثم في جامعة الملك سعود.
ولا تزال ذاكرة عبد الرحمن أبا الخيل تحتفظ بصور شتى من تلك الفترة التي قضاها في مصر، فيتذكر أنهم كانوا يتناولون العشاء ليلة الجمعة خارج السكن، وما زال يتذكر تفاصيل حفل التكريم الذي أُقيم في القناطر الخيرية للأمير عبد الله الفيصل، الذي زار القاهرة حينذاك، ويتذكر ذهابه مع أصدقائه إلى قهوة الفيشاوي في حي الحسين.
ولا يزال يتذكر بعضاً من المواقف والطرائف و""المقالب"" التي حدثت في دار البعثة وخارجها، والتي كان يقف وراءها زميله عبد العزيز الخويطر، مما وثّقه الخويطر ودوّنه في مذكراته ""وسم على أديم الزمن"".
بعد سنوات من الجد والاجتهاد تخرّج عبد الرحمن أبا الخيل في كلية الآداب في جامعة فؤاد، وبينما هو وزملاؤه يؤدون الامتحانات النهائية فوجئوا بما فوجئت به القاهرة ومصر جميعها، بحركة انقلاب قادها مجموعة من الضباط، الذين أطلقوا على أنفسهم ""الضباط الأحرار"" الذين وَصَفوا ما قاموا به لاحقاً ب ""الثورة"" على الملكية.
يتذكر عبد الرحمن أبا الخيل أن الناس في القاهرة كانوا متوقعين حدوث هذا الانقلاب أو الثورة، إذ هم متبرمون ومتضايقون وكانوا - كطلاب سعوديين - يسمعون السباب والشتم للملك فاروق. وعن موقفهم مما حدث، يذكر أنهم فرحوا مع الآخرين بما حدث.
في عام 1952 طوى أبا الخيل صفحة من صفحات علاقته بالقاهرة، ولكن لم تكن الصفحة الأخيرة، إذ ستظل القاهرة حاضرةً في فكره ووجدانه وسيعود إليها كثيراً، خاصةً أنه حينما غادرها كانت برفقته زوجته صفية عبد السميع، التي كانت زميلة له في قسم اللغة الإنجليزية، وكان والدها عبد السميع عبد الوهاب، من رجال التربية والتعليم ومدير إحدى مدارس المنصورة، وسيلحق ناصر المنقور بصديقه ليطير بعد سنوات من تخرجه ليتزوج أختها سوسن عبد السميع، التي كانت حينذاك طالبة في المرحلة المتوسطة.
وبينما كنتُ أبحث في أرشيف مجلة ""اليمامة"" وجدتُ صفية عبد السميع مشاركة في العدد الصادر في أكتوبر 1954، والمشاركة عبارة عن ترجمة لقصة بعنوان (الزوجة) ترجمتها من اللغة الإنجليزية وهي للكاتب واشنجتون ارفنج! وبذلك فهي أول قلم نسائي يُشارك في مجلة ""اليمامة"" ومن أوائل الأقلام النسائية التي شاركت في الصحافة السعودية باسمها الصريح.
في المجتمع المخملي
بعد أن عاد عبد الرحمن أبا الخيل من القاهرة توجّه فوراً إلى مقر وزارة الخارجية الواقع على طريق المطار القديم في مدينة جدة.
وقد كان كغيره من خريجي الدراسات الأدبية يفضلون العمل في وزارة الخارجية لأسباب عدة، منها وَهَج العمل الدبلوماسي والمكانة الاجتماعية لموظفي الوزارة ووجود نظام للترقية واضح، إضافةً إلى وجود موظفين وكفاءات على مستوى عالٍ من التأهيل في ديوان الوزارة، حتى أن موظفي وزارة الخارجية كان يُطلق عليهم ""المجتمع المخملي حينذاك! غير أن من الأسباب المهمة التي تدفع بالشباب للعمل في وزارة الخارجية، رغبة الكثيرين منهم في العمل خارج المملكة، خاصةً ممن درسوا وتلقوا تعليماً خارجها.
هذه القضية - قضية رغبة الشباب للعمل في الخارجية دون سواها - ظلت طيلة عقد الخمسينيات، حتى أن عبد الله الطريقي شكا في عام 1958 وهو مدير عام لشؤون الزيت والمعادن من ذلك، وبيّن حينما وُوجه بعدم الاهتمام بتوظيف السعوديين في إدارته أن السعوديين المؤهلين الذين تلقوا تعليمهم خارج الوطن يرغبون في العمل فقط في وزارة الخارجية! يقول ناصر المنقور: (كان العمل الدبلوماسي يجتذب الشباب وكنتُ أحدهم، كنتُ أحلم بهذا السلك أو ذاك ""المجتمع المخملي"" كما كنا نسميه في ذلك الوقت).
انتظم عبد الرحمن أبا الخيل في وزارة الخارجية موظفاً، وكان المبنى يعجُ بالشباب السعودي الذي تلقى تعليماً عالياً في القاهرة أو بيروت، من أمثال: عمر السقاف، طاهر رضوان، محمد المرشد الزغيبي، جميل الحجيلان، عبد العزيز داغستاني، وحمزة مرزوقي، إضافةً إلى صديقه ناصر المنقور، قبل أن ينتقل للعمل معتمداً للمعارف في نجد.
بعد سنوات محدودة التحق عبد الرحمن أبا الخيل بالعمل في السفارة السعودية في القاهرة مُلحقاً سياسياً، وكان السفير حينذاك إبراهيم السليمان بن عقيل، الذي كان رئيساً لديوان النيابة العامة (ديوان ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز).
ومن القاهرة إلى بيروت واصل أبا الخيل عمله الدبلوماسي في السفارة السعودية في بيروت، وكان مسروراً في عمله متفانياً في أدائه مؤملاً مواصلة العمل في هذا المجال، غير أنّ رياحه لم تأتِ على ما يشتهي، إذ زار الأمير فيصل بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الخارجية «الملك لاحقا»، بيروت وكان عبد الرحمن أبا الخيل مرافقاً له في رحلته التي استغرقت عدة أيام، وحينما همّ الأمير فيصل بن عبد العزيز بمغادرة بيروت قال لعبد الرحمن مع شيء من العتب: (أنتم تتخرجون وتفضلون العمل في الخارج ولا تحبون الخدمة داخل وطنكم)، فردّ عليه أبا الخيل بأنه في خدمة وطنه في أي وقت وحيثما كان المكان، لذلك فما إن عاد الأمير فيصل إلى مكتبه حتى صدر قرار بنقل عبد الرحمن أبا الخيل للعمل في ديوان وزارة الخارجية في جدة.
غدا حلقة ثانية وأخيرة.
في ديوان وزارة المالية
بعد فترة ليست بالطويلة في ديوان وزارة الخارجية في جدة، وجّه الأمير فيصل بن عبد العزيز بنقل خدمات عبد الرحمن أبا الخيل إلى وزارة المالية بمركزها الرئيس في مدينة الرياض للعمل مديراً عاماً لديوان الوزارة، وكان الأمير فيصل بن عبد العزيز حينذاك مشرفاً عاماً على وزارة المالية، إضافةً إلى أعبائه ومسؤولياته في مجلس الوزراء والخارجية وولاية العهد، وكان الشيخ عبد الله بن عدوان وزير الدولة للشؤون المالية، فكان عبد الرحمن أبا الخيل بمثابة ""الدينمو"" الذي يُحرك الوزارة، وحلقة الربط بين وزير الدولة للشؤون المالية وجهاز الوزارة، ولا سيما أن محمد نور رحيمي، الذي كان وكيلاً للوزارة يعمل أيضاً مشرفاً عاماً على الجمارك، فكان يقضي وقتاً طويلاً في مدينة جدة، ويقوم أبا الخيل بأعمال الوكيل أثناء غيابه في مهمته الجمركية.
في عام 1960م أصدر الملك سعود أمراً ملكياً بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وتولى الأمير طلال بن عبد العزيز وزارة المالية في التشكيل الجديد، فعمل أبا الخيل مع الأمير طلال فترةً من الزمن قصيرة، لم يكن فيها توافق وانسجام بين الوزير والمدير العام، ثم عاد أبا الخيل برغبته إلى عمله في وزارة الخارجية، وكان وزير الخارجية في التشكيل الجديد هو إبراهيم السويّل، فتمت إعارة خدماته إلى القطاع الخاص للعمل مديراً عاماً لشركة أسمنت العربية وهي الشركة التي أسّسها الشيخ عبد الله السليمان، أول وزير للمالية، فبقي أبا الخيل في مدينة جدة حتى إشعار آخر لن يطول، ليعود إلى الرياض وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
في يونيو 1961م أصدر الملك سعود أمراً ملكياً بإنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وأسندها إلى ابن شقيقه الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز.
وقد جاء إنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تطويراً لمصلحة العمل والعمال، التي أمر الملك سعود بن عبد العزيز بإنشائها عام 1953م على أثر إضراب العمال السعوديين العاملين في شركة أرامكو الأمريكية، الذي حدث في أكتوبر من عام 1953م ولمدة 21 عاماً، نتيجةً لسوء أوضاع العُمال السعوديين، وعدم وجود نظام يكفل لهم حقوقهم، وقد أثّر هذا الإضراب في أعمال الشركة وشلّ قدرتها على العمل، فجاء التوجيه بتشكيل لجنة تبحث الأمر وترفع بالنتيجة، فكان من ضمن توصيات اللجنة إنشاء مصلحة للعمل والعمال، يكون مقرها الدمام، وتكون حكماً بين الشركة والعمال، فصادق الملك سعود على التوصية وباشرت المصلحة أعمالها برئاسة الشيخ عبد العزيز بن معمر، الذي سعى لضم عدد من الكفاءات السعودية المميزة، من أمثال: عبد الرحمن المنصور، عبد الله الضبيب، محمد الهوشان، عبد العزيز السنيد، عبد الغني ناضرين، يوسف الشيخ يعقوب، عبد الله الحقيل، وعبد الله الجشي.
وقد قدّمت المصلحة وفق قدراتها المحدودة وبجهود موظفيها عدداً من الإجراءات المهمة في مجال العمل والعمال، وكانت - كما روى لي عبد العزيز السنيد - أنموذجا مميزاً في العمل الإداري يختلف عما هو معهود في القطاعات الحكومية الأخرى، حتى أضحت المصلحة مضرب المثل في هذا الأمر.
إحدى جلسات مجلس الوزراء برئاسة الملك فيصل بن عبد العزيز.
من أبرز ما قامت به المصلحة أنها توصلت في عام 1961م إلى اتفاقية مع شركة ""جيتي"" على أثر الشكوى المقدمة من موظفي الشركة السعوديين، نال الموظفون بموجبها حقوقهم الكاملة من جميع النواحي، وقد مثّل المصلحة في توقيع الاتفاقية عبد الرحمن المنصور، مساعد المدير العام، ومثّل شركة ""جيتي"" المستر دون هتن، المدير التنفيذي للشركة، ونُشرت تفاصيل الاتفاقية في صحيفة ""الخليج العربي"" بتاريخ 15 يونيو 1961م.
كان أمير المنطقة الشرقية يُشرف على المصلحة إدارياً في سنواتها الأولى، وبعد توسعها في فتح مكتبين لها في الرياض وجدة وجّه الملك سعود بربطها بوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ ناصر المنقور، إلى أن صدر قرار تأسيس وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فواصل الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز الاضطلاع بمسؤولية شؤون العمل والعمال والشؤون الاجتماعية رغم أن فترة وزارته لم تطل كثيراً.
وفي خبر نُشر في صحيفة ""البلاد"" بتاريخ 10/8/1961م فإن أمانة العاصمة المقدسة طلبت من سمو وزير العمل والشؤون الاجتماعية العمل على إنشاء مكتب للعمل في مقر الأمانة، نظراً لعدم وجود مكتب يخدم العامل الأجنبي في مكة المكرمة، وقد تلقت الأمانة وعداً من الأمير فيصل بن تركي لتحقيق الطلب، كما ورد في الخبر.
بعد الأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز تولى ناصر المنقور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إضافةً إلى عمله وزيرَ دولة لشؤون مجلس الوزراء، وقد استفاد ناصر المنقور من إشرافه القصير على مصلحة العمل والعمال، فاكتسب بذلك خبرة ساعدته على القيام بأعمال الوزارة والعمل على صياغة وتطوير بعض أنظمتها والعمل على إعداد الميزانية العامة والنظام العام للوزارة.
ويُفيد خبر نُشر في صحيفة ""البلاد"" بأن المنقور استقبل في مكتبه السيدة مونادوس، الخبيرة الإقليمية للتغذية والتدبير المنزلي، وقد جرت المباحثات من أجل إيجاد ""خبير"" لتدريب الإخصائيات الاجتماعيات على الأعمال التي سيقمن بها في مراكز التنمية والخدمة الاجتماعية، وإيجاد ""خبيرة"" للمرور على مراكز التنمية والخدمة وإعطاء المشورة اللازمة للنشاط النسائي.
مع الرئيس أنور السادات.
في مارس 1962م أصدر الملك سعود بن عبد العزيز أمراً ملكياً بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، فكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من نصيب عبد الرحمن أبا الخيل، بعد أن اعتذر الشيخ محمد السليمان الشبيلي، الذي كان يعمل سفيراً في باكستان، عن الوزارة بعد أن صدر قرار تعيينه.
تعتبر الفترة التي أدار من خلالها عبد الرحمن أبا الخيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التي امتدت من عام 1962 إلى 1975م هي الفترة الذهبية للوزارة، إذ شهدت في عهده انطلاقة واسعة خاصة في مجال الضمان الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، إذ إن عمل الوزارة ومن قبلها مصلحة العمل والعمال كان متركزاً على الشؤون العُمالية، كما شهدت الوزارة الانطلاقة الشاملة في قطاع الرياضة والشباب وفي مجال التعليم الفني والتدريب المهني.
نظام العمل وممانعة المشايخ
لقيت الوزارة دعماً لا محدوداً من الأمير (الملك) فيصل بن عبد العزيز ووجّه بضرورة إرساء دعائمها وإعادة النظر في نظام العمل والعمال والإعداد لنظام التأمينات الاجتماعية، لذلك باشر الوزير أبا الخيل هذه المهام بكل قوة واقتدار، وشرع على الفور بمخاطبة واستقدام الخبراء الأجانب مع الاستعانة بآراء خبراء ديوان مجلس الوزراء من أجل وضع صيغة نهائية لنظامي العمل والتأمينات الاجتماعية، ومن أجل ذلك شُكّلت لجنة في الوزارة برئاسة عبد الرحمن المنصور، المدير العام لشؤون العمل والعمال، وبعد أن أنهت اللجنة أعمالها دفعت الوزارة بالنظامين إلى مجلس الوزراء من أجل مناقشتهما وإقرارهما، غير أن الأمير فيصل بن عبد العزيز، رئيس مجلس الوزراء حينذاك، طلب من الوزير إحالة النظامين إلى عدد من المشايخ للاطلاع وإبداء الرأي، إذ كان يتم الحديث آنذاك عن هذين النظامين بشيء من الحذر والتوجّس، لأن السلطة الدينية لم تكن على وفاق معهما، بل كانت تدفع بالمعارضة حيال إصدارهما وإقرارهما.
ذكر لي عبد الرحمن أبا الخيل أنّ ممّن راجع المواد من المسؤولين معروف الدواليبي، المستشار في الديوان الملكي وأحمد زكي يماني، وزير البترول والثروة المعدنية.
أطلع المشايخ خاصةً الشيخين (ابن حميد وابن باز) على مواد النظامين، وبعد مراجعة دقيقة لكل مواده، ومعرفة مدى ملاءمة المواد وتوافقها مع الشريعة الإسلامية، وبعد إجراء التعديل اللازم من قبلهم، دفعوا بالنظامين إلى الوزير مع الإفادة الشفهية بموافقتهم على النظامين.
أخذ عبد الرحمن أبا الخيل النظامين إلى رئيس مجلس الوزراء الأمير فيصل بن عبد العزيز، غير أن الأمير طلب من الوزير أن يطلب من المشايخ عمل ""محضر"" يتم من خلاله إبداء موافقتهم على النظامين، موافقةً مكتوبة وممهورة بتواقيعهم، إذ لا تكفي الموافقة الشفهية! وهذا ما تمّ وصار، فتم إقرار النظامين بشكل نهائي ونافذ.
.. وهنا مع محمد علي كلاي.
الغريب أنه بعد مرور أكثر من 30 عاماً على صدور نظام العمل والعمال، فقد ناقش مجلس الشورى في دورته الأولى (بدأت عام 1993م) مواد النظام بقصد تحديثها مع ما استجد من تطورات، وكان الوزير عبد الرحمن أبا الخيل - الذي غادر وزارته سفيراً في مصر ثم تفرغ لأعماله الخاصة - قد اختير عضواً في المجلس يستمع للمناقشات الدائرة حول النظام، وفوجئ بأن مداخلة أحد الأعضاء تقول إن هناك مواد في النظام لا تتفق مع تعاليم الشريعة الإسلامية! لذلك طلب عبد الرحمن أبا الخيل من رئيس المجلس محمد بن جبير المداخلة وتحدث إلى المجلس بأن النظام تم إقراره قبل 30 عاماً من مشايخ كبار، وأن هناك محضراً موقعاً بهذا الشأن محفوظاً في أرشيف الوزارة!
لولا وجود عبد الرحمن أبا الخيل، وهو الوزير الذي أشرف على إعداد النظام وشهد تاريخياً ما جرى حوله مع المشايخ، لأصبح النظام في مناقشات المجلس عُرضةً للمزايدة!
رعاية الشباب
بعد إنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية صدر قرار بنقل قطاع الرياضة من وزارة المعارف إليها، ويبدو أن هذا النقل تم البدء فيه في عهد الوزير ناصر المنقور، إذ أشارت جريدة ""البلاد"" في خبر منشور بتاريخ 20/8/1961م، أنه بمناسبة انتقال خدمات الأستاذ عبد الله المنيعي، المشرف الأعلى للرياضة في وزارة المعارف، إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فقد اجتمع بالأستاذ سعيد بوقري وبعض موظفي الشؤون الرياضية للتباحث في بعض الأمور الخاصة بالشؤون الرياضية.
غير أن التوسع في قطاع الرياضة والشباب شهد فترته الذهبية إبان وزارة عبد الرحمن أبا الخيل، إذ تم التوسع بافتتاح عدد من الأندية الرياضية في عددٍ من المدن والقرى، وتم تحويل إدارة الشؤون الرياضية إلى إدارة عامة للشباب، يديرها الأمير خالد الفيصل ثم الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز، إلى أن استقلت رئاسةً عامة لرعاية الشباب برئاسة الأمير فيصل بن فهد.
يصعب من خلال هذه الإضمامة الإحاطة بالأعمال الجليلة التي قام بها عبد الرحمن أبا الخيل أثناء وزارته، لكن يُسجّل له العمل على تحديث نظام العمل وإصدار نظام التأمينات الاجتماعية ونظام الضمان الاجتماعي ونظام الجمعيات التعاونية والنهوض بالحركة الرياضية والشبابية.
يصفُه أحد الذين عملوا معه في الوزارة وهو عبد الله العبد العزيز النعيم (كتاب وفاء لوفاء ص 93) بقوله: (إن الوزير أبا الخيل ممن كانوا يحاربون المركزية في العمل ويُشجعون على إتاحة الفرصة للعاملين معه على الإنتاج، ولذا فقد أقدم على خطوة لم يسبقه إليها أحد وهي إعطاء صلاحية كاملة لكل وكيل، وبما أن لكل وكالة ميزانية مستقلة، فقد منح كل وكيل صلاحيته كوزير، وصار هو الرقيب والموجّه، وتنافس الوكلاء في العمل للإنتاج وللفوز برضى من منحهم الصلاحية المطلقة).
وقد عمل معه في الوزارة كوكلاء ومديرين عدد من المسوؤلين، من بينهم عبد الرحمن المنصور، محمد الفهد العيسى، عبد الجليل عبد الجواد، الأمير خالد الفيصل، عبد الله القرعاوي، وعبد الرحمن المرشد، وغيرهم.
وكنتُ قد ذكرتُ في كتاب لي عن ""الشاعر عبد الرحمن المنصور"" الذي تدرّج في قطاع العمل والعمال حتى أصبح وكيلاً للوزارة أنه قد أُعفي من منصبه عام 1964م، غير أن الوزير عبد الرحمن أبا الخيل حينما التقيته في منزله في مدينة جدة، صحّح لي المعلومة بأن المنصور نفسه هو من تقدّم إليه أكثر من مرة بطلب الإعفاء من منصبه، محاولةً منه لرفع الحرج عن الوزير، الذي كثيراً ما تعرّض لضغوط وأسئلة حول وجود المنصور في منصب مهم في الوزارة، وذلك بعد أن كثُر الحديث عنه وعمّا يحمله من أفكار وأنه بات من الضرورة خروجه من الوزارة! فخرج المنصور بطوعه واختياره وودّع منصبه إلى غير رجعة!
يروي جميل الحجيلان (كتاب وفاء لوفاء ص 85) هذه القصة الطريفة التي دارت في مجلس الوزراء، حيثُ كان هناك نقاش حول كلية البترول في الظهران بين الأمير مساعد بن عبد الرحمن، وزير المالية وجميل الحجيلان وزير الإعلام، وكان عبد الرحمن أبا الخيل والدكتور يوسف الهاجري، وزير الصحة يجلسان بجوار الحجيلان وقد همسا إليه بتأييدهما لرأيه، بل الحماس له، وحينما طلب الملك فيصل طرح الموضوع للتصويت، صوّت أبا الخيل والهاجري ضد رأي الحجيلان! وبعد نهاية الجلسة عاتب الحجيلان أبا الخيل قائلاً له: ""كيف تصوّت مع الأمير مساعد؟!"" فرد أبا الخيل قائلاً: ""الحكومة تبغى كده!"" فقال الحجيلان: ""من هي الحكومة؟ الحكومة أنا وأنت""، فقال أبا الخيل: ""أنت مهبول تبغاني أصوّت ضد الأمير مساعد، وزير المالية، وكل أمورنا بيده!"".
في السفارة
بعد وفاة الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1975م بشهور أصدر الملك خالد بن عبد العزيز أمراً ملكياً بإعادة تشكيل مجلس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة خرج منها عدد من الوزراء من بينهم الوزير عبد الرحمن أبا الخيل، الذي خَلَفه في منصبه زميله في المعهد السعودي في مكة المكرمة وفي دراسة القاهرة إبراهيم العنقري، ليتعيّن أبا الخيل سفيراً في القاهرة، المكان نفسه الذي عمل فيه قبل 20 عاماً ملحقاً سياسياً، لكنه هذه المرة يعود سفيراً فوق العادة ومفوضاً من قبل الملك خالد لدى الرئيس أنور السادات، الذي كان هو السبب في عودة أبا الخيل من مهمته الدبلوماسية بعد ثلاث سنوات، حينما قُطعت العلاقة بين مصر والسعودية على أثر زيارة السادات لإسرائيل، فعاد أبا الخيل إلى مدينة جدة، وجهاً اجتماعياً بارزاً يحظى بالتقدير والاحترام من قبل وجهاء وأعيان وأدباء وصحافيي المدينة الساحلية، فكان منزله، الذي يقع على شارع يحمل اسم والده في حي الخالدية، منتدى وملتقى.
يقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي (كتاب وفاء لوفاء ص 31): (وقد كوّن في الوسط الاجتماعي النابض في مدينة جدة جملةً من العلاقات المتبادلة، في صلات لا تنقطع من الزيارات المتبادلة، واللقاءات الاجتماعية والصالونات الثقافية، كما ارتبط مع نخبة من زملائه ومعارفه بعدد من السهرات المسائية المنتظمة .. وذلك فضلاً عن أولئك الذين يرتادون جلسته المنتظمة عصر كل يوم).
يتوفر عبد الرحمن أبا الخيل على خُلق رفيع وأدب جمّ وتواضع مع كل من قابله، ويشهد بذلك كل من عرفه عبر مسيرة حياته وما مرّ بها من تحوّلات، وقد رُزق بعدد من الأبناء والبنات من زوجتيه: صفية عبد السميع ومها المهيد، يساهمون اليوم عبر مواقع مختلفة في خدمة الوطن.
يذكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، وهو القريب من أبا الخيل، نسباً ومعرفةً راسخةً عبر عقود، أنه يندر أن تجد ربّ عائلة، يُحيط تفصيلاً بمثل ما يُحيط به عبد الرحمن أبا الخيل من دقائق الأمور المتصلة بأولاده وأحفاده وذويه وبالقريبين من معارف أو ممن يعملون في خدمته، حتى ليشعر كل واحد منهم بأنه المخصوص بهذه الرعاية.
ولا يزال الشبيلي يحتفظ بعدد من الرسائل التي كان يرسلها له عبد الرحمن أبا الخيل حينما كان يواصل دراساته العالية في أمريكا.
ويعلق الشبيلي قائلاً: (كأنني كنت الشغل الوحيد له بين كل الشؤون الأخرى عندما كان يتولى أمور الوزارة، وهو ما يجعل المرء عندما يستعيد ذلك يندهش من شمولية إحاطته واتساع دائرة متابعته لكل من حوله، بالإيقاع نفسه إلى اليوم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.