أصدرت دار النشر الصينية عبر القارات سلسلة من الكتب الثقافية باللغة العربية، أنتخبُ منها للقارئ هذه العناوين الثلاثة: «الثقافة الصينية» لشي جنغ ون تشن تشيو شنغ، و»الأدب الصيني» للدكتور ياو دان، و»صناعة الكتابة» الصينية ليانغ هو شياو. وليس كتاب «الثقافة الصينية» إلا لمحة عامة وتعريفًا بسيطًا للثقافة الصينية، وقد أراد مؤلفه أن يشمل النواحي الأساسية في الثقافية الصينية، ومن ضمنها الأفكار والأخلاق، ومفهوم السياسة والدين، ومفهوم الثروة والاقتصاد، والعادات التقليدية، والعلوم والتكنولوجيا، والتعليم والتربية، والآداب والفنون... إلخ. لقد أراد الصينيون منذ فجر حضارتهم حتى الحقبة الراهنة، أن يقدموا مفاهيمهم الخاصة لكل شيء، بشيء من الشمول الذي لا يتعارض مع الاندماج في العالم من حولهم، ومن أسباب تلك الخصوصية أن الحضارة الصينية تمتد آلاف السنوات في الماضي، ومحتوياتها وافرة، وتراثها غنيّ، بل يمكن أن يقال إن الثقافة الصينية نفسها هي أصل الأمّة الصينية. ولا شك أن للثقافة الصينية كغيرها من الثقافات مزاياها ونقائصها، وكذلك كل الأشياء الجميلة في الحضارة الإنسانية، وعلى البشر أن يفهموا بوضوح أوجه الكمال والنقص في النظم الثقافية المختلفة، وأن يتغلبوا على نقائصهم من طريق التعلّم من التجارب ومن الآخر، لتكون أممهم أكثر كمالًا. ويرى كتاب «الثقافة الصينية» أن الشرط الأساسي لخلود الثقافة هو الاختيار، وأن الشرط الأساسي للاختيار هو الإبداع، وأن الشرط الأساسي للإبداع هو الانفتاح، ومع ذلك فإن كل ثقافة لا بد من أن تكون لها خصوصياتها وتحفظاتها الخاصة بها. أما كتاب «الأدب الصيني» فيعد من مختصرات الموسوعات؛ لأنه يشتمل على أبواب عدة وسردٍ لمسيرة طويلة من تاريخ هذا الأدب، وهو يحوي رصدًا يكشف أن الأدب الصيني القديم نال أفضلَ حمايةٍ وأشدَّ حفظٍ من بين فنون الثقافة الصينية جميعها، فعلى سبيل المثال: لقد فُقِدَ كثير من الموسيقى والرسم الصيني، ومعظم النوتات القديمة يستحيل الوصول إليها، وكذلك ما عاد يمكن العثور على لوحات الرسم الأصلية إلا تلك التي رُسمت بعد عهد أسرة سونغ الملكية، لكن الأدب بشتى محتوياته، من أناشيد قصيرة، وأساطير سحرية مبدعة، لا يزال معروفًا لدى الجميع في يومنا هذا. بدأ تدوين التاريخ الصيني منذ أسرة تشو الملكية، أي منذ أكثر من ألف عام قبل الميلاد، وصارت الصين نموذجًا للأرض المحكومة بالأخلاق الكلاسيكية والموسيقى والقصائد، ولم يكن النمط السياسي للصين هو الحكم بالقوة فحسب، بل قام الحكم بالسيطرة على الدولة من خلال التعليم والتربية، وتولى المثقفون الأرستقراطيون الأدنون مهمة تعليم عامة الشعب، ولذلك فإن أقدم آداب الصين هو أدب أولئك المثقفين القدامى، الذين جمعوا الأغاني المحلية من أفراد الشعب العاديين ورتبوها وأحسنوا تصنيفها وقدموها إلى أباطرة تلك الحقب ليرووا من خلالها العادات الاجتماعية لشعبهم وأخلاقه، ويعرفوا تطلعاته وآماله، ومنذ ذلك الحين والأدب الصيني مختزَنٌ محفوظ في الذاكرة الصينية حتى هذه اللحظة. أما كتاب «صناعة الكتابة الصينية» فهو يروي قصة عناية الحضارة الصينية بالكتابة وصناعتها، حتى إنه يمكن أن يُقال من خلال قراءة هذا الكتاب: إن صناعة الكتابة الصينية ما هي إلا صورة مصغّرة للحضارة الصينية نفسها، إذ إن الحضارة الصينية تعد شكلًا وحيدًا منفردًا من أشكال الحضارة التي استمرت بلا انقطاع منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، ولا شك في أن ذلك يعني تراكمًا هائلًا للمعرفةِ ونقلِ الثقافة، ولا شك أن صناعة الكتابة هي التي نقلت هذه الحضارة ونشرَتها، فالكتب الصينية حملت منذ آلاف السنين تلك الأسرار والتفاصيل وبثّتها للإنسانية جمعاء. سوف تقرأ في هذا الكتاب فصولًا شيّقة مخدومة بالرسوم والصور، عن اختراع رموز الكتابة، وظهور الكتب وتأليفها، والانتقال من «الأوراكل» إلى الأوراق، وعن المنحوتات الحجرية، والزلات الخيزرانية، والكتابة الحريرية، ومهارة صناعة الأوراق، وبدايات تاريخ الطباعة، ومرحلة الكتابة الورقية اليدوية على مدى تسعة قرون، ثم مرحلة الطباعة اليدوية على مدى 12 قرنًا! وستقرأ عن فن تحرير الكتب، وتقنيات نسخ المطبوعات في القديم، والطباعة بالقوالب الخشبية، والطباعة بالرموز المتفرقة، وطباعة الكتب في المعابد، وفنون التجليد وأنماطها، من البسيط حتى الخيطي، وغير ذلك من التفاصيل التي لا غنى لهواة الاطلاع على الثقافة الصينية عن الإلمام بها. *باحث وروائي عبدالواحد الأنصاري