بدا الجناح الصيني الكبير كأنه معرض بذاته داخل معرض أبو ظبي العالمي للكتاب في دورته السابعة والعشرين، ليس نظراً الى المساحة الواسعة التي شغلها فحسب وإنما أيضاً تبعاً للأدباء والناشرين الصينيين المدعوين وبلغ عددهم 250، وهم ملأوا الجناح والمنصات التي جرت فيها الندوات واللقاءات التي بلغت ضمن البرنامج الصيني 136، وهذا رقم لا تعرفه عادة برامج المعارض العربية. أما واجهات الكتب فعرضت فيها 700 كتاب، منها 300 أنجزت لتقدم في المعرض الذي يحتفل بالصين ضيف شرف تحت عنوان «الصين تقرأ»، ومعظم الكتب بالصينية علاوة على الكتب المترجمة من الصينية الى العربية وقد تشاركت في نشرها دور عربية ، وفي مقدمها مؤسسة بيت الحكمة في فرعيها الصيني والمصري. وتتوزع الكتب المترجمة في حقول مختلفة كالأدب والتاريخ والفلسفة والدين والإسلام في الصين والحكمة والسياسة والتنمية والاقتصاد وسواها... أما اللافت فهو اجتياح الكتاب الصينيين المدعوين أجنحة المعرض ومنابره ومشاركتهم في معظم الأنشطة العربية عطفاً على الأنشطة الصينية، ومعظم هؤلاء يتحدثون بالعربية الفصحى مما سهل التواصل بينهم وبين الكتاب والقراء العرب. وقد تبنى الكثيرون منهم أسماء عربية والسبب ربما صعوبة لفظ أسمائهم بالصينية وربما احتفاء بانضمامهم الى حركة الاستشراق: بسام، هيفاء، عادل، ربيعة... ومن أبرز الأدباء الضيوف الذين يصعب تعدادهم: ليوجين يون، أحد أهم الأصوات في جيل الرواد الذين لمعت أسماؤهم في الساحة الأدبية الصينية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، تساو ونشيوان، عضو اتحاد الكُتاب الصينيين ونائب رئيس اتحاد كُتاب بكين، شيو تسي تشين نائب رئيس تحرير مجلة «الأدب الصيني»، وماي جيا أحد أشهر الروائيين الصينيين. أدوات الإصلاح ومن أبرز الندوات واللقاءات في البرنامج الصيني الثقافي، ندوة بعنوان «حول الحكم والإدارة» وهو عنوان كتاب الرئيس الصيني، وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يعرض التجربة الصينية ومكوناتها وأدواتها في الإصلاح من خلال رؤية رئيس الصين، مما يشكل فرصة للتعرف عن كثب الى تجربة مغايرة للتجربة الغربية في الإصلاح والتنمية. وسلطت ندوة «الأدب الصيني على شاشات السينما» الضوء على تجربتي الأدب والسينما الصينيتين من خلال استعراض نماذج لأعمال أدباء تحولت إلى أفلام سينمائية، وما الذي يربط بين الأدب والسينما وما الذي يثير السينمائي في العمل الروائي. وطرحت ندوة بعنوان «ماذا تعرف عن الحياة؟» سؤالاً جوهرياً يعد محاولة لمناقشة علاقة الأدب بالحياة من خلال رؤى مجموعة من المبدعين من الصين والعالم العربي. وسعت ندوة أخرى بعنوان «الأدب العربي بعيون صينية» الى الإجابة عن أسئلة مثل: ما حجم المعرفة التي يمتلكها القارئ الصيني عن الأدب العربي؟ ما ملامح صورة الأدب العربي لدى الصينيين؟ وشارك في هذه الندوة أدباء ومستشرقون من الصين هم: تساو ون شيوان، يو خوان، شيو تسي تشين، ماي جيا، ليوجين يون. واستضافت ندوة «الصحافة الأدبية الصينية وأضواء على مجلة الأدب الصيني»، الأديب الصيني شيو تسي تشين نائب رئيس تحرير مجلة «الأدب الصيني» التي تصدر بلغات منها العربية، حول الصحافة الأدبية الصينية. ودارت ندوة «ظاهرة المحرر الأدبي في صناعة النشر الصينية» حول مهمة المحرر الأدبي في صناعة النشر الصينية وهي قضية تثير جدلاً رغم استقرارها في الغرب، فما ملامح هذه التجربة في الصين؟ وتمت في الندوة مناقشة هذه القضية بمشاركة أدباء وناشرين صينيين: تساو ون شيوان، ليوم جين، ويو خوان، ومازيا. وشهد البرنامج الثقافي ندوة بعنوان «رحلة الترجمة الأدبية بين الصينية والعربية»، انطلاقاً من أنّ الترجمة رحلة لتبادل المعرفة بين الذات والآخر، وطرح الأسئلة الآتية: متى بدأت رحلة التعارف مع الآخر الصيني عبر الترجمة؟ كيف تطورت الرحلة؟ ما ملامح الواقع وما المستوى المأمول تحقيقه؟ وحاولت ندوة «العرب والصين بوصفهما «آخر» في الثقافة الغربية» الإجابة عن هذا السؤال: هل نجح الغرب في تحديد ملامح مستقلة لكل شعب من شعوب الشرق، أم أن هذه الشعوب كانت بالنسبة اليه «آخر» مطلقاً؟ وطرحت ندوة أخرى موضوع واقع تعليم اللغة الصينية في العالم العربي، حيث يفوق عدد الناطقين باللغة الصينية البليون نسمة، في وقت تعد الصين مرشحاً قوياً للعب دور القوة العظمى، الأمر الذي يجعل من تعلم لغتها وإجادتها أمراً مفترضاً، ما يستدعي وجود تصور ومنظومة تعليمية متماسكة... فما واقع تعليم اللغة الصينية في الجامعات العربية، وهل يسير وفق خطة أو منهج؟ ومن بين الندوات التي استضافها معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، ندوة بعنوان «تبادل الترجمة والنشر بين الدول العربية والصين» وتم خلالها تدشين مشروع طموح لتبادل الترجمة والنشر بين الدول العربية والصين، والإعلان عن 25 عنواناً تم الاتفاق عليها. حول استضافة معرض أبو ظبي العالمي للكتاب الصين أدباً وثقافة، يتحدث الدكتور أحمد السعيد، مؤسس ومدير عام «مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام» في الصين ومصر، ويقول: «أولت الصين أهمية كبرى للمشاركة في معرض أبو ظبي هذا العام، وهدفها أن يكون حضورها في المعرض هو الأكبر ضمن مشاركتها الدولية، حيث تهتم بترويج مبادرة الحزام والطريق التي تربط الدول الواقعة على طول طريقي الحرير، البري والبحري، والعالم العربي يمثل جزءاً كبيراً منه، وشريكاً مهماً لا يمكن نسيانه، لذلك تأتي المشاركة الصينية هذا العام بوفد رسمي يتجاوز أعضاؤه 250 شخصاً ما بين مسؤول وأديب وفنان وناشر، وحجزت الصين مساحة 800 متر مربع في المعرض، وهي المساحة الأكبر التي تحجزها الصين في أي معرض دولي شاركت فيه من قبل، إضافة إلى أنها تشارك بأكثر من 75 دار نشر صينية تعرض إصداراتها باللغات العربية والصينية والإنكليزية. وتشارك الصين في منطقة النشر الرقمي (الإي زون) في المعرض عبر أكبر شركات التقنيات الحديثة الصينية لتعرض أحدث تقنيات النشر الرقمي، إضافة إلى أن الجناح الصيني الرسمي تضمن معرضاً لنماذج الأعمال التي تمت ترجمتها من الصينية الى العربية ومن العربية الى الصينية خلال آخر عشر سنوات، وهي بالمناسبة تتخطى ال400 عنوان. وخصصت مساحة لعرض أحدث فنون الطباعة الصينية الحديثة، ولتاريخ الطباعة في الصين، والتي هي أحد الاختراعات الصينية القديمة الكبرى». ويضيف: «حضر من الصين جمع كبير من أشهر الأدباء الصينيين الحاصلين على أرفع الجوائز الأدبية في الصين وخارجها، إضافة الى بعض ممن ترجمت أعمالهم الى العربية، ولاقت رواجاً وقبولاً كبيرين، ومنهم: أديب الأطفال تساو ون شوان، وهو أول صيني يحصل على جائزة أندرسون العالمية في أدب الطفل، الأديب الصيني الشهير ليو جين يون الذي ترجمت له خمسة أعمال الى العربية، وحولت معظم أعماله إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلقى رواجاً كبيراً في الصين، وترجمت أعماله إلى أكثر من 23 لغة عالمية، والأديب الصيني الشهير يوهوا صاحب رواية «على قيد الحياة» التي جرى تحويلها إلى فيلم سينمائي وقد حاز جائزة مهرجان برلين السينمائي الدولي، وله ثلاث روايات طويلة مترجمة الى العربية». «بكين بكين» ومن الأدباء المشاركين أيضاً، الكاتب الصيني الشهير ماجيا المتخصص في أدب الإثارة والجاسوسية، والذي ترجمت أعماله عالمياً، وهي تلقى رواجاً كبيراً في العالم، وصدرت روايته الجديدة «الشيفرة» باللغة العربية خلال المعرض، وهناك الأديب الصيني سوتونغ الحاصل على جائزة بوكر الآسيوية، وله عملان مترجمان الى العربية، والكاتب الصيني الشاب شيو شوي تشن الذي يمثل جيل الشباب في الصين، والذي حققت روايته «بكين بكين» في طبعتها العربية نجاحاً كبيراً. وفي الأدب النسائي، تأتي الكاتبة يي ماي، وهي الحاصلة على جوائز أدبية رفيعة في الصين، وصدرت روايتها الجديدة بالعربية خلال المعرض». وفي برنامج النشر والتعاون العربي الصيني، تهتم الجهات الصينية ومعرض أبو ظبي باستكمال التعاون الذي بدأ قبل ستة أعوام بين الناشرين الصينيين والعرب، فهناك مؤتمر دولي لتطوير النشر الصيني العربي وشارك فيه اتحاد الناشرين العرب، ومسؤولون صينيون من قادة صناعة النشر، وتم عقد مؤتمر تعريفي للناشرين الصينيين والعرب، تبادلوا فيه قوائم الكتب والترشيحات لترجمة الأعمال بين الصينية والعربية. أول دار صينية واحتفلت الصين من خلال مشاركتها في المعرض بإنشاء أول دار نشر صينية إماراتية في أبو ظبي، ووقعت اتفاق تعاون استراتيجي بين مشروع «كلمة» الإماراتي ومؤسسة انتركونتننتال الصينية، لتبادل ترجمة عشرة أعمال صينية عربية ونشرها. وفي مجال تبادل الترجمة والنشر، احتفلت الصين والدول العربية خلال المعرض بمشروع تبادل ترجمة– ونشر- الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية، والذي صدر عنه حتى الآن 16 عملاً مترجماً من الصينية الى العربية، و11 عملاً من العربية الى الصينية، إضافة إلى الاحتفال بمئة كتاب على طريق الحرير، وهي النشاط الذي تنظمه بيت الحكمة للثقافة والإعلام، محتفلة بمائة من ترجماتها الصينية العربية، وقد تعاونت فيها مع أكثر من 20 ناشراً عربياً و30 ناشراً صينياً». ويتحدث أحمد السعيد عن مؤسسة بيت الحكمة التي تؤدي دوراً رئيساً في ترسيخ التعاون بين الصين والعالم العربي فيقول: «أما مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام التي تعمل كجسر ومنصة للتبادلات الثقافية الصينية العربية، فبخلاف دورها في تنسيق المشاركة الصينية، والتعاون الكبير مع إدارة معرض أبو ظبي واتحاد الناشرين العرب، قامت المؤسسة خلال المعرض بترجمة بيانات كل أعضاء الناشرين العرب الى الصينية، وتقديمها في شكل كتيب تعريفي للناشرين الصينيين لتسهيل التواصل. وعرضت في جناحها بالمعرض بعض نماذج الثقافة الصينية العريقة، وأحضرت في هذا الصدد خطاطاً صينياً شهيراً يكتب بالعربية والصينية، ونحاتاً صينياً يبدع تماثيل بالطين والخزف، إضافة إلى فنانة تشتهر في فنون الورق، إضافة إلى متخصصين في تقديم عروض الشاي الصيني. وغدا جناح بيت الحكمة في المعرض منصة لترويج الكتب الصينية وترويج كتب الناشرين العرب الذين تتعاون معهم المؤسسة، فضلاً عن أنها أطلقت خلال المعرض مشروع مترجم مؤسسة بيت الحكمة الإلكتروني، وهو أول موقع في العالم للترجمة الدقيقة بين الصينية والعربية».