على الرغم من توافر المعطيات الجديدة التي تغير من الذهنية المجتمعية، والتي تضع جميع التجارب والمعلومات وسبل التقنية والفنون في كفة الفهم الذي يزيد من وعي المجتمع الفكري، ومن خلال المرحلة الجديدة التي بدأت تطال حياة الإنسان بداخل المملكة، إلاّ أنه مازال هناك من لم يمتلك الوعي الفكري الذي يدفعه للتعامل مع جميع المعطيات الجديدة بطريقة واعية، وقادرة على استثمار جميع تلك السبل. وقال د.عبدالله التنومي -مهتم بعلم الفكر التوعوي الجديد ومحلل سياسي-: إن التعليم هو الداعم الأول لتعميق الوعي الفكري في المجتمع، وهي المهمة الكبيرة التي لابد أن تتضافر المؤسسات التعليمية والمناهج في زرعها بداخل المتعلمين من الشباب بخلق مساحة واسعة يستطيع فيها شباب وشابات اليوم في المؤسسات التعليمية أن ينثروا أفكارهم، ما يشعرون به، ويطمحون إليه، في تلك المساحة واستثمار تلك الأفكار بما يخدم قضية الوطن من النمو والتنمية، منتقداً من يقدم نفسه على اعتباره يملك الفكر الواعي من خلال قنوات التواصل الاجتماعي إلاّ أنه لا يملك سوى الأطروحات الهامشية التي لا تخدم المرحلة الجديدة، مشيداً بإمكانات المرأة ومدى قدرتها على امتلاك أدوات الوعي بشتى صوره في المرحلة الجديدة. حدود الإمكان وأكد د.التنومي على أن الوعي الفكري خلاصة الثقافة، فمن وصل إلى ثقافة عالية متصلة مع القراءة والأمم والتفاعلات المجتمعية يستطيع أن يشكل فكراً قيادياً لمفهوم الوعي الفكري، فالأفكار هي من تقود الإنسان، فإذا ما كان هذا الفكر يرتكز على قاعدة صلبة كالثقافة والدين، يستطيع أن يقود نفسه ويقود الآخرين إلى وعي فكري صحيح، ومن هنا يمكن لنا أن نخلق فكراً يتناسب مع متغيرات المجتمع الجديدة ويرتقي بالذائقة والسلوكيات، مضيفاً أن التغير الذي طرأ على المجتمع السعودي اليوم إنما هو من أجل تعزيز مبدأ المصالح ضمن حدود الإمكان، فلا يعني ذلك أن الحرية التي يفسرها البعض بأنها مفتوحة إلى درجات الاعتداء على حريات الآخرين، مؤكداً على أن الوعي الفكري هو القائد للإنسان، فإذا ما قادت الأفكار صاحبها في حدود المسموح له دون أن يعتدي على الآخرين فهو في الخط الصحيح، وهذا ما تود أن تصل إليه شعوب العالم، فنحن في هذا الزمن ننعم بدولة عظيمة قدمت الكثير وتوجت بأفكار جميلة يؤتى أكلها من قبل أفراد المجتمع. بشكل صحيح وعن انتشار الفنون ودعم تداخل الثقافات المختلفة في المجتمع مع إتاحة الفرصة لفتح آفاق متنوعة للترفيه وللإبداع الذي من شأنه أن يعزز من الوعي الفكري لدى المجتمع قال د.التنومي: إن الإنسان ابن بيئته له وعليه حقوق، فالأفكار من تقوده فإن قادته للمأمول فهذا هو المطلوب لأننا نطمح لأن يقود الفكر السليم المجتمع، فنحن في الفنون أو الرياضة أو في أي مجال آخر نحتاج إلى قائد ملهم يقود أفكار هذه المجموعات إلى ما هو مفيد للفرد والمجتمع، والعالم كله يتطور ويصلح، فهذا البلد خصه الله –سبحانه وتعالى- برسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي خلاصة الشرائع السماوية، مضيفاً أن المرأة كجزء من المجتمع لها أن تؤدي عملها بكامل الحرية، على أن لا تفهم الحرية خارج نطاق الشريعة، وهذا ما ينطبق على الرجل أيضاً، فالتغيير الجديد الذي تبنته الدولة يجب أن يؤخذ بشكله الصحيح، وأن لا يفهم بطريقة خاطئة، وهنا تأتي مسؤولية التربية بتوجيه الأبناء على مفهوم الحدود والحرية واحترام الآخرين من دون المساس بهم. ترك مساحة وذكر د.التنومي أن مبادرة وزارة التعليم لتأسيس مركز للوعي الفكري ومدى فاعليته في تعزيز مثل هذا الوعي قبل سنوات خطوة جيدة ولكن السؤال: ما القاعدة التي انطلقوا منها وبنوا عليها هذا المركز وما هي الوسيلة؟، ومن المستهدف؟، فإذا كان المقصود تغيير السلوك، فهذا جيد، لكن الوزارة تحتاج إلى تغيير في سلوك المنهج، متأسفاً على أن التعليم لم يدعم مفهوم الوعي الفكري، فالتعليم يدرس مناهج محددة، ولكن يجب أن نترك لمن يتلقى التعليم مساحة يعبر من خلالها عن فكره وألا يقيد دائماً بمنهج، حتى نلتقط ما هو جميل من هذا الفكر، متأسفاً أيضاً أننا لم نستخدم الوعي الفكري كأسلوب في التعليم ولا في غير التعليم، إلاّ أنه من النعم التي منَّ الله –تعالى– علينا به وجود شخصية كشخصية ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الذي لديه من الفكر ما يحمل الوعي الكبير، ولكننا نحتاج أن نستوعب ما ينطلق عليه هذا الوعي الفكري حتى نستثمره بالشكل الصحيح. تراشق وقذف وعن تقييم مستوى الوعي الفكري لدى المجتمع من خلال ما يطرح في قنوات التواصل الاجتماعي ك"توتير" و"فيس بوك" وغيرها رأى د.التنومي أن الكثير ممن يشارك فيها ثقافته الفكرية ضئيلة، لا يملك الوعي الفكري للتعامل مع هذه القنوات -حسب قوله-، لذلك نتطلع أن تكون هناك نماذج ملهمة تشارك في مثل هذه القنوات حتى تؤثّر بشكل إيجابي على المجتمع، فالكلمة خطيرة ولها أثر بالغ، ولابد من الالتزام بالحدود الأخلاقية والاحترام في التعاطي مع الآخرين مهما كان الاختلاف موجوداً، متأسفاً أن هناك من يتراشق ويقذف الآخر، مؤكداً على أن ما يثار في "توتير" وغيره كشف عن تسطيح كبير لدى أفراد المجتمع، فكل من يتبع أسلوب التراشق والتعليقات المسطحة إنما هم يتبعون قيادة "إبليس"، وهنا يجب على من يستخدم أي وسيلة تواصل أن ينجو بنفسه من ذلك التسطيح والتقليل من الآخرين والانحراف الفكري، مُشدداً على ضرورة وجود قيادة فكرية للمجتمع لاسيما أن المملكة نموذج لوطن الشريعة الإسلامية، وهذه مسؤولية يجب أن يدركها الكثيرون في تعاملاتهم. وأوضح على أن المرأة أكثر فهماً للوعي الفكري، فمن مميزاتها "الإتقان" وهو عمل دعا إليه الإسلام، وهي أسرع من الرجل بالتعامل مع المعطيات بشكل عام، وإذا تحدثنا عن الفكر بشكل خاص نجد أن المرأة تتقن الأدوات التي تستقبلها من خلال التدريب والثقافة، والكثير من المكاتب النسائية نجد أن الاتقان موجود لديها أكثر من الرجل، فهي متفوقة دوماً، والميدان اليوم مفتوح أمامها لإثبات نفسها، لاسيما حينما تتزود بالفكر المستنير، فإنها ستكون عنصراً فاعلاً جداً لمجتمعها، ونحن موعودون بالوصول بالمجتمع بالفكر العام الواعي. د.عبدالله التنومي مازال بعض الشباب مصاباً بتشويش في الفكر