لا شك أنَّ أحد أبرز الممارسات والعادات التي لها تأثيراتها على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، هي ضعف ثقافة الادخار والتي تعتبر منخفضة إلى حد كبير وسط مجتمعنا، وذلك ليس على مستوى المواطن العادي فقط، بل على مستوى الكثير من المثقفين الذين يفترض بهم أن يكونوا قدوة. وبنظرة سريعة حول نسبة الادخار لدى الأسر السعودية من دخلها السنوي، نجدها حوالي 2,4 في المائة فقط! وهي نسبة منخفضة، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يبلغ 10 في المائة، كحد أدنى، بمعنى آخر من المفترض أن ترتفع نسبة إدخار الأسر السعودية من إجمالي الدخل من 6 في المائة، إلى المعدل العالمي 10 في المائة، وفقاً لمستهدفات رؤية 2030. وترتبط ثقافة الادخار في مجتمعنا - على قلتها - بمحدودية الرؤية في هذا الصدد، حيث تدخر الكثير من الأسر جزءاً قليلاً من دخلها، ليس لاستخدامه مستقبلاً في ضروريات أساسية، بل لإنفاقه في مجال استهلاكي محدد، وعادة ما يكون مرتبطاً بفترة الإجازة الصيفية، كالسفر للخارج أو السياحة الداخلية. وهذه نظرة خاطئة لمفهوم ثقافة الادخار، حيث تجرده من أهدافه طويلة المدى؛ فمعظم الأسر السعودية تربط ادخارها بنمط استهلاكي قصير المدى، ينتهي عند استهلاكه كلياً، كالذي يستهلك من رأس ماله دون النظر للمستقبل؛ وهذا يفسر انخفاض الودائع المصرفية طويلة الأجل لدى البنوك. وإذا قارنا بشكل بسيط نجد: أنَّ الأسر في الدول الأوروبية والآسيوية (غير العربية) لديها فِكر ونهج متطور يتعلق بثقافة الادخار، حيث تعده جزءاً من ممارساتها اليومية، كالأكل والشرب، والرياضة؛ لذا تستقطع جزءاً من دخلها الشهري، لتدخره في مكان آمن، وعادة ما يكون في حساب ادخار طويل المدى، بأحد البنوك. وتحرص هذه الأسر عند استقطاع مبلغ الادخار ليظل سنوات طويلة، ولا يتم استخدامه في أمر استهلاكي إطلاقاً، بل عادة ما يُوجه لمشروع مستقبلي مهم، يتعلق بدراسة الأبناء في الجامعات، أو شراء أرض أو منزل. لذلك نجد أن ثقافة الادخار عالمياً، مرتبطة بإنفاق مبالغه في مشروعات أساسية، تخدم أفراد الأسرة ككل، وليس في نمط استهلاكي، ووقتي لا يفيد الأسرة مستقبلاً أو لمواجهة أي ظروف صعبة قد تحدث لاقدر الله. وهنا نتساءل كيف يمكن أن نغرس وسط أفراد الأسر السعودية وعياً مالياً بثقافة الادخار؟ وما الأسلوب الأمثل الذي يجب اتباعه لنشر هذه الثقافة؟ أعتقد أنَّ الأمر يتعلق بعادات وتقاليد راسخة في عقلية المجتمع السعودي بمختلف فئاته، بلا استثناء، ومن هنا تبرز المسؤولية الكبيرة في رفع الوعي المالي. هذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، وخصوصاً مؤسسات المجتمع المدني، والغرف التجارية، إضافة لمراكز الأبحاث والمعاهد والمراكز المستقلة، والجمعيات التوعوية وحتى المدارس بمختلف مراحلها، حتى نغرس ثقافة الادخار وسط الجميع، بدءاً من أطفالنا. وختاماً: ينبغي على هذه الكيانات أن تضطلع بدورها لتوعية المجتمع، بأهمية الادخار، انطلاقاً من مسؤوليتها الاجتماعية، وعليها أن تستنير بحلول رؤية 2030 في هذا الصدد؛ لما في ذلك من فوائد اقتصادية واجتماعية.