يفتقر بعض أفراد المجتمع إلى "ثقافة الادخار"، حيث وجد أنّ ما نسبته (85%) من الأسر في المملكة لا تدخر من دخلها شيئاً، وتلجأ إلى تسيير أمورها من مدخرات سابقة، أو الاقتراض من المصارف؛ للوفاء بمتطلباتها، فالمجتمع يعاني من نمو معدلات الاستهلاك على حساب الادخار، الذي يبدأ الاهتمام به مع إحساس الشخص بمسؤولية المستقبل، ومسؤوليته تجاه مصروفاته في البيت، والسيارة، ومشروع الزواج، وتعليم الأبناء، إلاّ أنّ غالبية أفراد المجتمع يعيشون يومهم من دون أدنى تفكير في وضع سياسة إنفاقية متعادلة تلبي الاحتياجات وتساعدهم مستقبلاً. وفي المقابل ينفق العديد من أفراد المجتمع الكثير من الأموال في الأمور الثانوية، عن طريق استخدام بطاقات الإئتمان، بهدف التفاخر بشراء سيارة جديدة، أو "الفشخرة" بدفع تكاليف سفر، فيما يظن البعض أنّ المؤسسات الحكومية مسؤولة عن رعايتهم، وبالتالي لا يحتاجون للتوفير، كما أنّ برامج الادخار التي تتوفر في السوق تعدّ تأمينية أكثر من كونها محفزاً لأفراد المجتمع على الادخار. هناك من استنزف جيب المواطن برضاه بعد أن أحس بمبالغته في الكماليات و"الفشخرة الزائدة" طفرة اقتصادية وذكر "عبدالرحمن الخيّال" - مساعد مدير عام بنك التسليف لقطاع الادخار- أنّ هناك انخفاضاً كبيراً في ثقافة الادخار بين المواطنين، وقد يرجع ذلك إلى الطفرات الاقتصادية التي مرت على المملكة خلال السنوات ال(30) الماضية، مبيّناً أنّ المملكة شهدت طفرات اقتصادية أدت إلى اختفاء الادخار وسيادة الطابع الاستهلاكي، وبالتالي انتشرت هذه الثقافة لدى الأجيال الجديدة، وفقد الأفراد العاديين مهارات التخطيط للمستقبل، وفي المقابل انخفاض الدخل؛ مما يدفع الأفراد باللجوء إلى المزيد من القروض الاستهلاكية التي تلغي فكرة الادخار نهائياً. وقال إنّ هذا النمط الاستهلاكي ملحوظ، من خلال سلوكيات الشخص في الحياة حيث نجد خللاً واضحا يبدأ من طلب الطعام من المطاعم على أساس يومي تقريباً، إلى جانب كميات المواد الغذائية المتبقية بعد الانتهاء من تناول الطعام والتي عادة تذهب إلى سلة المهملات. د. فهد بن جمعة وأضاف أنّ هناك من ينفقون الكثير من الأموال في الأمور الثانوية باستخدام بطاقات الإئتمان، إضافةً إلى التفاخر بإنفاق الكثير من المال لشراء سيارة جديدة، أو لدفع تكاليف السفر، مبيّناً أنّ هذا الانخفاض في ثقافة الادخار قد يعزى أيضاً إلى أسباب منها: حقيقة أنّ المواطن العادي يفترض أنّ المؤسسات الحكومية مسؤولة عن رعايتهم، وبالتالي لا حاجة للتوفير، أيضاً معظم البنوك ليس لديهم أي منتج حقيقي للادخار، وإن وجدت فليس هناك برامج تحفيز لرفع معدلات إدخار الأسر. وأشار إلى ضعف دور المؤسسات الحكومية لدفع ثقافة الادخار حيث لم يتم خلق أرضية مشتركة مع القطاع الخاص، من أجل نشر الوعي داخل المجتمع، بالإضافة إلى ضعف التخطيط طويل الأجل لدى المواطنين، وارتباك واضح في إدارة وترتيب الأولويات، إلى جانب التضخم، وارتفاع تكلفة المعيشة، وضعف دور المؤسسات الإعلامية. عبدالرحمن الخيّال ضعف الآليات ونوّه "الخيال" بأنّ هناك برامج للادخار موجودة لدى البنوك وشركات التأمين التعاوني، لكنها غير متوفرة بالطريقة التي تناسب شرائح المجتمع، إضافةً إلى ضعف آليات التوعية، معتبراً أنّ البرامج الحالية التي تتوفر في السوق هي برامج تأمين أكثر من كونها محفزاً على الادخار، مبيّناً أنّ زيادة نشر الوعي ستعزز تحقيق الأهداف المستقبلية، من خلال خلق بيئة عمل تحقق أهداف الأطراف ذات العلاقة، سواءً الحكومية مثل مؤسسة النقد، وهيئة سوق المال، ووزارات التخطيط، والتعليم، والإعلام، وتبدأ من سن أنظمة وقوانين، مروراً بطرح منتجات طويلة الأجل مناسبة ومغرية لشرائح المجتمع، إلى جانب الدور التوعوي من خلال غرس تلك المفاهيم في الاجيال الجديدة، عن طريق مناهج التعليم، ووسائل الاعلام، وقنوات التواصل الاجتماعي، ووضع أطر عمل مقبولة يمكنها تعبئة المدخرات بدعم القطاع الخاص لتطوير برامج منافسة ومناسبة للمواطن العادي. وقال إنّ تصميم برامج الإدخار لملكية المنازل ستكون مغرية؛ للانخفاض الكبير في نسبة التملك في المملكة، خصوصاً لدى فئات الدخل المنخفض، ومثل هذه البرامج من الممكن أن يكون لها أثر كبير في القضاء على ظاهرة الاستهلاك، ورفع معدلات الادخار، فالمؤسسات المالية تقدم حلول التمويل العقاري، إلاّ أنّ ذلك مكلف جداً، ويتطلب توفير دفعة أولى قد لا تتوفر للشرائح المستهدفة، موضحاً أنّ مثل تلك البرامج إذا ما صممت بأسلوب ادخاري مناسب من شأنها أن تؤهل الشخص للحصول على التمويل المناسب لشراء منزل. فضل البوعينين أزمات مالية واعتبر "فضل البوعينين" -خبير اقتصادي- أنّ تعرض الأسر إلى أزمات مالية في كل شهر من المشكلات التي نجمت عن غياب ثقافة الادخار، ليس بسبب تدني الدخل، ولكن بسبب غياب التخطيط المالي، لافتاً إلى اعتماد كثير من الأسر على القروض، على الرغم من أنّه يفترض ألا يتم الاقتراض إلاّ في حدود ضيقة جداً؛ مما يؤدي إلى وقوع تلك الأسر تحت ضغط مالي مستمر، موضحاً أنّ من أكبر عيوب الاقتصاد لدينا عدم اعتماده على إدخار الأفراد، فالجانب الاستهلاكي يطغى على كل شيء؛ مما يؤثر في نمو الاقتصاد، ويزيد معدل التضخم؛ بسبب زيادة الاستهلاك. وأضاف أنّ عدداً كبيراً من المواطنين لا يستطيعون التوفير من مداخيلهم مع توالي المناسبات؛ مما يدفع كثيراً منهم إلى القروض الاستهلاكية، وهذا التوجه يؤثر كثيراً على حياتهم المستقبلية، مبيّناً أنّ قنوات الادخار الاستثماري لم تعد جاذبة للمواطنين لتجنيب جزء من مداخيلها للمستقبل، مستدركاً: "هذا العزوف برز بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2006م، عندما فشلت الصناديق في المحافظة على مدخرات المشتركين فيها". مسؤولية المستقبل وقال "د. فهد بن جمعة" -عضو مجلس الشورى- إنّ الإدخار ثقافة تنشئ من المدرسة والبيت، فإذا شاهد الطفل أبويه كيف يوفرون بكافة الطرق، فهذا ينمي فيه الثقافة، كما أنّ البنوك لدينا لا تؤدي واجبها بنشر الوعي والتحفيز على الادخار، ولدينا مشكلة تمثل في أنّه ما زال مفهوم الحساب الادخاري لدى البعض مغلوطاً، وتفسيره على أنّه ربا، لذلك لا يتعاملون من خلاله، مع أنّه ينمي الدخل؛ لأنّ الادخار مفهومه أنك تستفيد من الحسابات لتنمية الدخل". وأضاف أنّ ثقافة الادخار تبدأ بإحساس الشخص بمسؤولية المستقبل، ومسؤوليته تجاه مصروفاته للبيت، والسيارة، والزواج، والتعليم، فالغالب يعيش يومه من دون أدنى تفكير في ذلك، مؤكّداً على أنّه على رب الأسرة أو الفرد وضع سياسة إنفاقية متعادلة، تلبي الاحتياجات، وتمنح هامشاً إدخارياً من دخله الشهري، معتبراً أنّ البطاقات الائتمانية من الأسباب الضارة بثقافة الادخار، لذلك على الأفراد فهم خطة الادخار، ويحتاج لخطة مستقبلية وتنمية الإدخار، حيث إنّ ادخار (20.000) ريال من دون إدخالها في مشروعات أو حسابات للتنمية يقضي عليها التضخم؛ بسبب عدم تنميتها، فالواجب أن يكون العائد أعلى من التضخم. وأشار إلى أن المشروعات التي ممكن أن يستفيد منها بالدخول في الإدخار الودائع، ولكن ربحيتها منخفضة، لذلك من الأفضل استثمار الادخار في محافظ تستثمر في سندات حكومية أو أسهم، موضحاً أنّه بسبب عدم وجود خطة للادخار فنحن لا نملك خططاً لتملك المنازل؛ بسبب انشغال الغالبية بتسديد أقساط قروضهم الاستهلاكية التي حصلوا عليها، فأصبحوا غير قادرين على ادخار أي مبالغ من رواتبهم، مقترحاً على معاشات التقاعد أن يكون لكل سعودي استقطاع جزء من المعاشات في الادخار؛ ليستفيد من المعاش التقاعدي في مشروعات مستقبلية ودخل دائم. أسر تستهلك أموالاً كبيرة في الصرف على الكماليات الصرف بالكاش يقلل من فرص الادخار