تتطلب المتغيرات الاقتصادية الراهنة في بلادنا تحويل بوصلة ثقافة الاقتراض المنتشرة في المجتمع، إلى ثقافة الادخار، وتقليص خيار اللجوء للمؤسسات المالية وشركات التقسيط لطلب القروض الشخصية غير المدروسة الهدف أو بعشوائية، أو للدخول في مشروعات فاشلة وغير مدروسة بشكل علمي وعملي، كما يحتاج وقتنا الراهن لتفعيل النمط الاستهلاكي لدينا وإعادة النظر في الكثير من الممارسات الحياتية المادية اليومية، ونشر الوعي المالي وتعزيزه بغرس ثقافة الادخار، ومجابهة بعض العادات والتقاليد التي تنافي موضوع الادخار، مثل التعاطي في البذخ والمجاملات في مختلف المناسبات الاجتماعية والتعاطي معها بحكم عادات تنافي المنطق في ترتيت الأوليات وضرورات الحياة. "الرياض" طرحت قضية ثقافة الادخار والتوعية بالبعد عن القروض الشخصية غير المنطقية، على عدد من المختصين بالشأن الاقتصادي، ففي البداية قال المحلل الاقتصادي على الجعفري، إن ثقافة الادخار تحتاج إلى تعليم وتدريب منذ الصغر، ويجب أن تكون ثقافة مجتمعية تبدأ من المنزل، وكذلك غرس جذورها من المؤسسات التعليمية في مراحل التعليم العام، مبيناً أن المجتمع الاستهلاكي يفقد الادخار سريعا لأنه لا توجد لديه خطة مستقبلية، بل هو يدخر لفترة قصيرة جداً ليقوم بشراء سلعة استهلاكية تفقد قيمتها سريعاً بعد الشراء، والمشكلة الأكبر من لا يدخر أساساً، بل يقترض لشراء سلع استهلاكية تفوق قدرته الشرائية ومن ثم يقضي زمناً في سداد أقساط سلع أو خدمات انتهت وليس لها مقابل في الوقت الذي هو مستمر بسداد المستحق عليها. موضحاً أنه يجب على الفرد تقليص الاقتراض الاستهلاكي غير الضروري إلى أضيق الحدود، ومحاولة الادخار على عدة مستويات، حتى ولو كان المبلغ قليلاً جداً في البداية، بحيث يكون هناك إدخار طويل الأجل لا يقترب منه للاحتياجات اليومية، وادخار من خلاله يحصل على السلع التي يحتاجها، وبالتالي قضية الادخار يجب أن تكون ثقافة متكاملة، ومن الممكن أن تقوم الشركات والجهات الحكومية بعمل برامج ادخارية وتقوم باستثمارها عن طريق بيوت خبرة متخصصة تراعي فيها عدم المخاطرة والعائد المعقول المرتبط بالزمن كبرامج تحفيزية للموظفين والعاملين. مضيفاً "أن ثقافة الادخار تحتاج إلى الوعي الفردي والمجتمعي وخصوصاً في هذا الوقت، ويجب أن يتكيف الفرد والأسرة مع المتغيرات الاقتصادية، فنسبة لا يستهان بها من مجتمعنا استهلاكي بشكل مبالغ فيه، والعادات والتقاليد في حياتنا، قد تكون أحياناً مكلفة، مثل المبالغة في إكرام الضيف، وتكلف الفرد بمبالغ، وقد يضطر للاستدانة أحياناً لمواجهة أحداث طارئة غير مأخوذة بالحسبان من باب بعض العادات والتقاليد التي عليه القيام بها، وهذه إحدى المشاكل التي تواجه الشباب وبعض الأسر غير القادرة في مقتبل حياتها، فتزيد أعباءهم المالية وتتراكم منذ نشأة الأسرة. ويرى الجعفري أهمية تعديل النمط الاستهلاكي، ابتداءً من المنزل والاسرة، وبمساندة النظام التعليمي بالكامل سواء العام أو الجامعي وعمل محاضرات عن السلوك الاستهلاكي لأن البعض يعتبره بخلاً، وهناك فرق بين البخل والإسراف، وعلى المدارس دعم هذه التوجهات من باب المشاركة المجتمعية حتى لا يتأثر الطلاب مستقبلاً بالتبذير وهم في سن صغيرة ويتولى الصرف عليهم أولياء أمورهم، ولكن مستقبلاً سيكونون مسؤولين عن أنفسهم وبالتالي غرس عدم الاسراف وتشجيع الادخار من الأمور المهمة التي يجب على الجميع المشاركة فيها، وكذلك على أولياء الأمور محاولة نصح أبنائهم بعدم الصرف الخارج عن المعقول، فمن زملائهم من لا يستطيعون مجاراتهم بالصرف العالي، وبالتالي يشعر بعض الطلاب أو الطالبات بالحرج والانطواء، وهذه الأمور يجب أن تبدأ في العملية التعليمية من المراحل الأولية، وعدم السماح للطلاب باستعراض مقدرات أولياء أمورهم المالية في الصرف العالي داخل المدرسة أو الجامعة، وأرى أن يتم عمل برامج توعوية وإعطاء نصائح وارشادات للطلاب والطالبات عن السلوك الاستهلاكي وكيفية الادخار وتشجيعهم على عمل موازنة لمصروفاتهم، وبذلك ننشر الوعي المالي في شرائح مهمة بالمجتمع، وخاصة الشباب الذين يشكلون الآن النسبة الكبرى من السكان بالمملكة. ثقافتا الاقتراض والادخار من جانبه، يؤكد المستشار الاقتصادي سليمان العساف، "أن هناك فرقاً بين ثقافتي الاقتراض والادخار فلكل منهما أسبابه ودوافعه واحتياجاته، وثقافة الادخار شبه معدومة في مجتمعنا، وهي لاتتجاوز نسبة 5 % بينما تصل في بعض المجتمعات الشرقية الى حوالي 26 %، اما ثقافة الاقتراض فهي منتشرة بشكل واسع في مجتمعنا ولكنها للأسف قروض استهلاكية، تقترب من حوالي 80 % من القروض الشخصية، وليست قروضاً استثمارية، لذا من الافضل لنا العمل على تقليل ثقافة الاقتراض الاستهلاكي وزيادة وتشجيع ثقافة الادخار بين المواطنين، ومن المهم تعويد المجتمع على الادخار حتى يصبح عادة، ومع الوقت نستطيع زيادة نسبة الادخار تدريجياً، لكي يستفاد منه، عند الطوارئ أو عند الحاجة الملحة الخارجة عن الإرادة. فمشكلة اللجوء إلى مؤسسات الإقراض انها مكلفة، وفوائد الدين مرتفعة ومرهقة، وقد تصل في حقيقتها الى حوالي 30 %، فالأفضل العمل على تجنبها واستبدالها بالتوفير، وموضحاً أن مشكلة المواطن السعودي بصفة عامه انه محكوم بما حوله من عادات وتقاليد وأحكام لا يحبذها الشرع الإسلامي مثل الإسراف في المناسبات والتفاخر بحفلات الزواج وهي مصاريف كمالية يمكن اعادة تقييمها وتقييدها أو الحد منها، ونحن اليوم بحاجة لغرس ثقافة الادخار وتعزيز الوعي المالي أكثر من أي وقت مضى. ويضيف، يجب أن يعلم الناس أن عهد الاتكالية قد مضى، ولابد من العمل على التكيف مع المعطيات والحقائق والواقع الذي نعيش به حالياً؛ فلدينا شباب بعشرات الالاف يتخرجون من الجامعات كل سنة، ويحتاجون لوظائف وسيتنافسون عليها بشراسة، وكذلك لدينا برنامج الرؤية 2030، والتي من أهدافها معالجة الاختلالات في المصروفات والمداخيل، ومعالجة العادات السيئة، وهذه الرؤية هي علاج لكثير من الاختلالات، وقد تكون مؤلمة على المدى القصير ولكنها نافعة وناجعة، على المدى الطويل لخير المجتمع وخير الأجيال القادمة. ويرى العساف أن الركيزة المهمة هنا، وعي الناس، فموضوع التوفير والادخار ضرورة وليست رفاهية أو خياراً، ومن لا يتقيد به فسيغرق بمصاريف ومتطلبات مستقبلية قريبة أو بعيدة، وسيكون البديل الاتجاه للحصول على قروض والتي ستكون كلفتها عالية ومدتها طويلة، ولو نظرنا للأمر بشكل عقلاني منطقي حسابي مالي فإن من يستطيع التكيف مع قرض يقتطع حوالي 30 %من دخله شهرياً لمدة تقارب الأربع أو الخمس سنوات، ويستطيع العيش بالباقي، فإنه من باب أولى يتمكن من توفير 10% من دخله شهرياً. Your browser does not support the video tag.