في أهم دور العرض بحي السان جيرمان تطالعك عبارات الفرنسي بنيامين فوتير Benjamin Vautier من مواليد عام 1935 في نابولي بإيطاليا، هذا الفنان المتلقب بالاسم المستعار الفني «بن» والمعروف بانتمائه إلى الحركة الفنية الطليعية avant-garde movement، التي انبثقت في باريس عام 1940 وأثرت في كل مجالات الفنون والآداب». ولقد تأثر بنيامين فوتير في بداياته بالفنان إيف كلان وبالفرنسي مارسيل دوشامب وعبثيته. ولقد أسس عام 1960 مجلته الفنية المعروفة (Ben Dieu)، كما اشتهر بإنتاجه للفن الاستعراضي أو الفن الحي ومؤخرًا بالفن الكتابي، ومن هنا استقى لقبه الفني «بن»، الذي ربما يرمز إلى القلم لكون هذا الفنان ينتج عبارات صادمة بالطباشير الأبيض على ألواح من الأردواز الأسود ولا شيء مضافًا، لا تذويق ولا حليات ولا حتى إطارات، عبارات من الأبيض طافية على سواد، أشبه بتوقيعات الليل والنهار، الوجود ونقيضه. ومن العبارات التي اشتهر بها «الفن عديم الفائدة ارجعوا إلى بيوتكم»، و»لا بد أن نأكل، لا بد أن ننام»، ولعل عبارة بسيطة مثل «انظر لرغباتك كأنها الواقع» لتحمل فلسفة تفضح وقوع الإنسان تحت وهم الرغبات وتضليلها لصاحبها حتى لتعزله في كوكب من أوهامه. وأيضًا عبارته القائلة «منذ دوشامب بوسعنا وضع كل شيء في واجهة العرض هذه»، التي تحمل مزيجًا من النقد والإعجاب بتأثير دوشامب على الفن، الذي فتح بابًا واسعًا لما يمكن تسميته فنًا، وذلك بالمبولة التي عرضها كفن حتى لصارت كومة التراب والركام تعرض في المتاحف بصفتها فنًا حديثًا. ونجد هذه النزعة الناقدة في ألواحه السوداء المخطوطة بالطباشير، متحديًا بها كل من يجرؤ على انتقاده وإسقاط قيمتها الفنية، حيث يكرر عبارات مثل «كل شيء فن»، «إذا كان كل شيء فنًا فلماذا نبدع؟» و»هل كل شيء فنًا»، لكأنما يستمرئ هذا التوسع في اعتبار مفردات الواقع فنًا، وفي الوقت نفسه يستغل هذا التوسع والجًا من أوسع أبوابه بنتاجه المغرق في البساطة والتحدي والصدامية، دور يلعبه بنيامين فوتير في عالم الفن، ويلخصه بعبارته التي يحملها في لوح بيمينه، بينما تحمل يساره نبتة صبار ويعلن: «أرغب أن أكون نبتة الصبار هذه في جوف الفن». هو بلا شك نبتة الصبار بأشواكها وتفردها. جرأة تفتح الأبواب للجديد.