عصام عبدالله العسيري نصادف هذه الأيام الذكرى المئوية للحركة الدادية Dada في الفن التي ولدت في 14 يوليو 1916م بُعيد الحرب العالمية الأولى في كباريه فولتير بزيورخ سويسرا، حيث أسسها مجموعة من الفنانين والشعراء والأدباء الأجانب في سهرة خاصة للحديث عن آثار الحرب كان منهم هانز أرب وآرنست ثم انضم لهم لاحقا مارسل دوشامب، وانتقلت لفرنسا ثم لألمانيا وأسبانيا وانتشرت في أمريكا حتى اليابان. هدفت الدادا معاداة الحرب من خلال الفن وبطريقة راديكالية مفرطة، فكانت حركة فنية متعددة التخصصات تقوم فلسفتها على العدمية التي جعلت نتاج الإنسان الحضاري العلمي والفني والثقافي يقتل بعضه ويسفك دمه بعشرات الآلاف بالتلاعب بمفاهيم الأخلاق والدين ليبرر أطماع السياسيين وأهدافهم التوسعية. يقوم الفكر الدادي في الفن التشكيلي والأدب والشعر والسينما والمسرح ويتبع نفس الأسلوب ويحقق نفس الغرض لأنه قائم على فلسفة عدمية عبثية فوضوية تحارب المدنية والعلم والمادية والمعقولية، فلا أحد يعرف معنى المصطلح الحقيقي الذي يمكن أن تجد له في كل لغة معنى. الدادائية من وجهة نظري بعد دراسة تحليلية لفكر الحركة وتجربة أبرز روادها الفنية والاطلاع على تصريحاتهم أطمأن لوصفها بأنها هيجان فني وثقافي وحركة هدامة ضد الإنسانية عموما؛ لأنها تسعى لمحو ذاكرة الإنسان ونتاجه الحضاري وتعادي المستقبل، يذكر أحد الدادئيين في بيان منشور "نحن نبصق على البشرية ونتغوّط على الألوان". يمكن وصف الدادئية بأنها فن اللافن؛ لمحاربتها للفن وتجاهلها للجمال حيث تتواجد وتتكاثر حول القبح وتركيزها على سلبيات الإنسان فقط. خير مثال لعبثيتها هو عمل مارسل دوشامب الذي عرضه عدة مرات في صالات فنية مهمة وكان عبارة عن شيء جاهز الصنع وهو "المبولة" وبدلا من عرضها رأسيا وضعها أفقيا وسمّاها النافورة وكتب اسم الصانع عليها، واعتبرها النقاد لاحقا عملا مفاهيميا. إن أول من تنبه لخطورة هذه الحركة العدمية هم النازيون والنقاد ومؤرخو الفن وكثير من المثقفين حيث حاربوهم وكتبوا ضدهم وقاطعوا معارضهم وقراءة منشوراتهم؛ لذا اختفى الدادائيون وانتقلوا لدول أخرى ثم عادوا للظهور بثوب جديد وهو السيريالية والبوب آرت والمفاهيمية وما تبعها من فنون الأداء والتركيب والجسد ليقدموا نفس أفكارهم العبثية لكن بأسلوب جديد مع تلميع الصحافة لهم ورعاية كبار الفاعلين في الحركة الفنية من أصحاب صالات العرض وبيع اللوحات وبيوت المزاد الأوروبية والأمريكية على وجه الخصوص. كما تنبه كثير من الجماهير الذين يتذوقون الفن لانحدار كبير في حركة الفن وهبوط في القيم الفنية والعبث بالجمال والتطاول على التراث وتشويه الحضارة وانتقاء الوجه السلبي لمنجز الإنسان. لذا يمكن أن ألخّص النقد الموجه حول الدادائية التي أعتبرها أحد أسوأ جذور الفن المعاصر في أنها حركة فارغة المضمون وعديمة القيم والمبادئ تدور حول نفسها ليس لها سقف ولا أرضية ولا حدود يغلّفها الغموض وغياب المرجعية ولم تقدّم شيئاً ينفع الإنسان ولم تغير الواقع ولم ترفع شأن المجتمعات التي عاشت بها وهبطت بتاريخ الفن المعاصر. ختاما أود أن أنبه بنوايا الدادائيين الجدد لإحياء احتفالات لليوبيل المئوي لهم في الدول العربية حيث بدأ هذا العام إقامة الأسبوع الفرانكفوني في لبنان بعمل فعاليات خاصة لتلميع هذه الحركة ومحاولة نشر فكرها مجددا في مجتمعات لم تحاربها وتجهل ضررها، ومن المؤكد أن أجندتهم تحتوي على فعاليات أخرى في عدة دول ويدير هذه الفعاليات ويقيس أثرها إدارة كباريه فولتير. *فنان وناقد الدادائية، عمل تركيبي 1920م