ما هو تصورك وما يطرأ على بالك حينما تسمع كلمة فن أو فنان؟ هل الفن ريشه وألوان ولوحة متقنة التفاصيل؟ إن هذا مفهوم قاصر وضيق، حيث إن كلمة فن تتسع لما هو أبعد وأسمى من ذلك.. عرّف البعض الفن على أنه موهبة، وآخرون قالوا إنه حاجة إنسانية للتعبير عن الشعور والذات، وايضًا من تعريفات الفن أنه محاكاة للواقع. بينما الفن كل ما يقوم به الانسان للتعبير عن وجوده ولا يقتصر على اللوحات والألوان فقط، فالفن أسلوب حياة بدونه يصبح العالم مسطحاً وممارسته قيمة أساسية تقدم الكثير للبشرية. فكل ما يقوم به الإنسان ويترك به أثرًا يسمى فناً فتطورت مراحل هذا الأثر منذ أول ممارسة فنية تمت على وجه الأرض هي خطوة آدم -عليه السلام- حيث إنه ترك أثرًا للبداية، لم يكن يدرك الإنسان معنى الفن ولم يحاول إيجاد تعريفات وتفسير له ولكن كان يمارس الأشياء بطريقة فنية من خلال إحساسه وشعوره بها. وكان يعتقد علماء الآثار أن أقدم محاولات إنسانية للنحت والرسم كانت على جدران الكهوف قديمًا، ولكن اُكتشف مؤخرًا أن أقدم عمل فني حتى الآن كانت صدفة في جزيرة جاوا عليها خطوط ونقوش هندسية وتعود إلى إنسان "هومو إيركتوس" والذي اندثر منذ زمن ، وكما يقول علماء الآثار إنها على الأرجح هدية أو نصب تذكاري، يعود إلى ما يقارب النصف مليون عام، لذلك هي أقدم اكتشاف حتى الآن. وفي العصور الذهبية كان يستخدم أصحاب الجاه والملوك المهندسين والفنانين لتزيين قصورهم ومنازلهم ورغبة منهم في التميز يلجؤون إلى قتل المهندس بعد انتهاء عمله لكي لا يكرر عمله في أماكن أخرى. فظهر بعد ذلك ما يسمى ب(البناؤون الأحرار) اجتمعوا وقرروا معاقبة أصحاب القصور الذين يقتلونهم بعد إتمام البناء فاتفقوا على حيلة وضع مفتاح سري لهدم المبنى مثلًا طوبة في مكان محدد إذا تم سحبها تهدم القصر كاملًا، ومجرد ما يقتل المهندس أو الفنان يذهبون للانتقام، ومن هنا ظهرت العمليات التنظيمية كإضافة للممارسة الفنية والهندسية في العالم. ثم تطور الفن وأصبح في الزخرفة والمساجد والتصق الفن بالعبادات فاصبح هناك ما يسمى بالفن الإسلامي. وظهرت البورتريه في المناسبات والزواجات، ثم ظهرت الكاميرا فأصبحت أكثر واقعية من الرسم. فبعد ذلك تحايل الفنان على التصوير فظهرت المدارس الحديثة مثل: الواقعية، والانطباعية، والكلاسيكية. فصار الفنان يرسم الواقع ولكن بالشكل الذي يشعر به ويحسه هو، فاهتم الفنان بالمشاعر والأحاسيس الفنية أكثر من الشكل أو الفكرة داخل العمل. وهناك العديد من الأعمال التي أحدثت نقلة أو تغيرا في الفن ونتذكر لوحة الفنان فان جوخ الشهيرة (ليلة النجوم) لم يرسم الليل والنجوم كما هي بل جسد انطباعاته عن الليل وكوابيسه الليلية. وايضًا لا ننسى لوحة (غرنيكا) لبيكاسو فقد رسم الحرب ليس كما هي في الواقع بل صور شعوره نحوها حيث انها تغتال البراءة وتشكل خطرًا على المجتمع البشري. بعد ذلك ظهر المصمم الصناعي وهو: "أحد أنواع التصميم والذى يعمل على تطور النواحي الاستخدامية والمظهر الخارجي والعمليات الهندسية والصناعية الى غير ذلك من الجوانب المرتبطة بالمنتج في علاقته بالإنسان والبيئة المحيطة". أي ابتكار شيء ملموس مادي وعادة هو مرتبط بالتكنلوجيا، فصار المصمم الصناعي قوياً جدًا ويلفت عقول الناس. فظهر الفن المعاصر حيث إنه أصبح المفهوم أهم من الشكل والمهم ليس العمل ذاته بل الحالة التي يُخرج فيها العمل. ومن الأمثلة على ذلك والذي أحدث صدمة مختلفة في مجال الفن عمل المبولة ل دوشامب. فقد احضر مبولة (كرسي الحمام) ووضعه في المعرض ولكن قلب المبولة ووضعها بوضعيه مختلفة عن وضعها الطبيعي وكانت مبولة جاهزة لم يصنعها هو، فأحدث ضجة وتساؤلات حول ذلك العمل، وقد أشار بذلك إلى التركيز على العمل الفني كمفهوم ليس كشكل حسي وألوان مُبهرة وإعادة التفكير بعلاقتنا باستخدام الأشياء حولنا، وكان يقصد دوشامب أن العمل الفني يحتاج إلى إيصال فكرة وتجسيد الواقع ليس مجرد لوحة مزخرفة بالألوان تجذب إعجاب المشاهدين. إذًا لا تحتاج ان تصبح رسامًا بارعًا وتتقن رسمة العين أو الأنف وتمتلك العديد من الفرشاة والألوان لكي تصبح فنانًا، كل أداة تستخدمها للتعبير عن فكرتك فهي فن، ومجرد أن تمتلك الفكرة ومحاولة إيصالها بأي طريقة كانت هي فن وإبداع بحد ذاتها. Your browser does not support the video tag.