ما توقَّعتُ أبداً أنَّ غفلتي لفترة قصيرة عن النظام الغذائي السليم قد ينسف بأحلامي في النادي الرياضي، وأن يذهب بتعب الركض والقفز والفزّ والشد والمقاومة واستطالة العضلات بعد إحمائها هباءً مبتورا دون مبالاة ! الفترة التي قاومتُ فيها شهية المعدة ورغائب الشبع والتَّشبُّع والتزمتُ بتمارين بدني يومياً ولستة أشهر تخلَّصتُ من 12 كيلواً من أرتال الجسد المتراكمة وسنوات التَّدهور الاهتمامي المقيت؛ وعشتُ خلالها فترة التباهي بالإنجاز، وما كادت تنهي نشوة الامتلاء فرحا، وتلك تندهش من الشكل، وأخرى من الخفة، وغيرها من الحيوية، والكلّ يعلق والبعض يتمتم بين نفسه وبين من يجالسه: هل عملت تكميماً! رجيماً قارصاً! ربط معدة! ماذا حصل! وما كنتُ أعرف أن غفلةً غير مقصودة بالنظام الغذائي تصيب قلبيّ رُعباً مزَّقني خيبةً وتحسُّرا! فما أن صعدتُ ميزان الوزن في مكتب اختصاصيَّة التغذية إذ بها تباغتني ومن دون حسبانها بتمتمة غير معهودة منها: زاد الوزن كيلوووووين! هل لخبطتِ بالغذاء! ملتزمة بتمارينك! فلنرى المقاسات! نزلتُ من الميزان وكأنَّ الحُلمَ الذي زَيَّنَ افتتاني لأشهر بالأملِ قد نزل من بُرجه العاجيِّ ليجلجِلُ خاطري بهَوَسِ القلق وخيبة الافتتان! يا ويلي! القياسات تغيرت! أغلبها ارتفعَ! وما انتقص منها رقماً إن كان قد ثبت البعض منه في زوايا من البدن غير لافتة! يا وَيحَ قلبيَ إن تَوارَتْ بَهجَتي وانزاحَ سَعدِي بانطِفَاءِ الفرَحةِ حُلْمٌ تبدَّدَ واستشَاطَ لهيبُهُ وتهاوتِ الآمالُ حيثُ مَغَبَّتِي ! ما عاد في نفسي حَماسَ مُبارِزٍ والرُّوحُ شاخَتْ مثل ورد حديقتي والهَمُّ في الأعمَاقِ أرخَى ظِلَّهُ ليِزيدَ في قلبي مَرارةَ حسرتي ! كيفَ السَّبيلُ اليومَ يا قلبَ العَنَا ! والوَيلُ غاظَ النَّفسَ حيثُ كآبتي ! لا القلبُ يهنَأُ بالحياةِ حقيقةً والرُّوحُ تَرعدُ باشتِعالِ مُصِيبَتِي ! لم أحضر حِصص التمارين يومها، وما وجدتُ نفسي إلاَّ بين ضحكاتِ أمِّي وبناتها في بيتنا وتعليقاتهن المقيتة التي زادتني غيظاً، ويبَّست عُودَ ما بي من وَجَل! ابنةُ أختي عقيلة (head Nurse) فضَّت رتق فضائنا بضحكةِ الاراجوز مُردِّدة: أصلا لو نحفتِ ستكون مُعجزة العصر وإعجاز العالمين يا حلوة! كيف لوزنك أن يخُفَّ ووجباتك السريعة ومعكرونة المازوريلا وخمس حبات تمر كل صباح وقِطعَ الشوكولا غير الداكنة وأنتِ تقرئين وتكتبين وتسوقين! أتبعتها أمِّي ببسمة الانشراح المُعتَّقِ عتباً، وهي تنفثُ دفئها في خاطري جابرةً له: بلاهُ النادي وبلاهُ القفز والفزّ وضياع نفسك بين درهمٍ ووقت! لم أنتبه للغفلاتِ وأخذتني الغفوات التي من شأنها أن تهدمنا من عاليّنا وتحرقنا خيبةً دون أن نعيها جيداًّ! غفلة المعدة أحرقت القلب مني وغفوة الاشتهاءات خانتني واستبدَّت بفرحتي وما وعيتُ نفسي إلاَّ ونيرانَ التَّحدِّي تشيطُ بداخلي وقد تنتصرُ للقلبِ وعداً! وقد تخدعني وتأكلُ بقايا الجُهدِ وترميَهُ هامِدا! يتبع