لم يكن قاسم سليماني الذي كان عاطلاً عن العمل يتوقع أنه بعد تطوعه ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني سيصبح أحد أهم عناصر اللعبة الإيرانية ويترأس أهم فيالق الحرس وهو "فيلق القدس" الذي أدار من خلاله أذرع إيران في المنطقة العربية وسيطر على عدة عواصم. كان صاحب ال 62 عاماً قد التحق بفيلق حرس الثورة الإسلامية أوائل العام 1980م، وأصبح من قدامى المحاربين في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وقاد حينها فيلق 41 ثار الله (وهو فيلق محافظة كرمان)، وكان لا يزال في العشرينيات من عمره، ليكون بعد ذلك واحدًا من بين عشرة قادة إيرانيين مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود. قاد سليماني فيلق القدس منذ العام 1998 خلفاً لأحمد وحيدي -وهي فرقة مسؤولة عن تنفيذ العمليات العسكرية السرية خارج حدود الدولة-، وعقب هجمات 11 سبتمبر 2001م، توجه ريان كروكر، وهو مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأميركية، إلى جنيف للقاء شخصيات إيرانية تحت إشراف سليماني بهدف التعاون لتدمير عناصر طالبان في أفغانستان، لكن هذا التعاون لم يدم طويلاً، حيث انتهى في يناير 2002م عندما قال رئيس الولاياتالمتحدة الأسبق جورج دبليو بوش في خطاب له إن إيران جزء من "محور الشر". وفي يناير 2011م تزامنا مع اندلاع الثورات في المنطقة العربية، ارتقت رتبة قاسم سليماني العسكرية من عقيد إلى لواء. وعرف عنه اتباع أسلوب المساعدات العسكرية للعملاء وكذلك توفير التدريبات لهم وتأهيلهم وتقديم الاستشارات العسكرية والتكتيكية لتنفيذ أجنداتهم ودعم الإرهاب وتمويله بكافة أشكاله. برز اسم سليماني في كل الصراعات في الشرق الأوسط خاصة في اليمن والعراق ولبنان وسورية، بدأ سليماني يسافر بشكل دوري إلى دمشق لإدارة العمليات بنفسه من داخل مبنى محصن بشدة، وخلال تواجده في سورية شكل مجموعة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب، بينهم قادة الجيش السوري، وقادة حزب الله اللبناني. صنفت الولاياتالمتحدة قاسم سليماني كداعم رئيس للإرهاب، وأدرج اسمه في القرار الأممي رقم 1747 وفي قائمة الأشخاص المفروض عليهم الحصار، وفي يونيو 2011، أعلنت المجلة الرسمية للاتحاد الأوروبي أن ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني أدرجوا في قائمة العقوبات لتوفيرهم أسلحة للجيش السوري بغرض قمع ثورة الشعب السوري. كما أعلنت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، في أكتوبر من العام الماضي إدراج قاسم سليماني، والحرس الثوري الإيراني، على قائمة الإرهاب. عمل سليماني لعقود على إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران ضمن الخطة الحالمة للهلال الشيعي، فمن اغتيال خصوم إيران إلى تسليح أذرعتهم الإرهابية عمل على توجيه الجماعات المسلحة وزرع الخلايا النائمة لاستخدامها في أوقات محددة لإشعال الحروب واختلاق الأزمات واستهداف الأماكن الحيوية كالممرات الدولية والمنشآت البترولية. يتعدى نفوذ سليماني في الكثير من الأحيان نفوذ رئيس الدولة حسن روحاني خاصة في الملفات الخارجية، وله كلمة نافذة على الجميع، كما عارض أبرز قادة النظام الإيراني في العديد من المواقف كان آخرها رفضه المفاوضات مع واشنطن، وذلك عقب تصريحات وزير الخارجية الإيراني في نيويورك محمد جواد ظريف حول استعداد إيران للتفاوض بشأن السجناء الأميركيين المحتجزين لدى إيران ومبادلتهم بالسجناء الإيرانيين، الذين دِينوا بارتكاب جرائم أغلبها حول انتهاك العقوبات في الولاياتالمتحدة وفي دول غربية أخرى. ونقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن مصدرين استخباريين أن سليماني التقى خلال زيارته الأخيرة للعراق قادة فصائل عراقية مسلحة خاضعة لنفوذ طهران وأمرهم "بالاستعداد لخوض حرب بالوكالة" على خلفية التوتر الحالي بين إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية. وبذلك يظل سليماني المسؤول الأول عن نشر الفوضى في المنطقة ككل.