نعم.. يرحل من الدنيا أناس ويولد أناس آخرون، والأجل قادم لا محالة، والحمد لله على قضائه وقدره، إلا أن اليوم الثالث من رمضان للعام الجاري 1440ه يوم بداية فقد جسد وروح سيتركان فراغاً كبيراً بقلوب الجميع بدءاً من أبنائه ومروراً بأقاربه وضيوفه ووصولاً إلى محبيه، حيث لم يكن خبر وفاة والد أبناء خالتي -والدنا -الشيخ عثمان بن صالح المقرّي -أسكنه الله فسيح جناته- خبراً عادياً بالنسبة لي؛ لكوني أحد محبيه وأقاربه وضيوفه الذين اعتاد -رحمه الله- على استقبالهم بعد صلاة كل يوم جمعة. بدأت علاقتي به منذ طفولتي -كعلاقة أقراني من أقاربه وأطفال الحي الذي قضيت به معظم أيام طفولتي على الرغم من أنني لم أسكنه يوماً- حي "هويلة "الشهير في الدوادمي-، من خلال الذهاب لدكان والدنا عثمان مراراً وتكراراً، حيث كان يطل ذلك الدكان الصغير من بيته على ملعب وملاهي الحي في ذلك الحين، ومع مرور السنوات كبرت معه وعرفت عنه -رحمه الله- كغيري حبه الشديد للمّ الشمل، مع سماحة النفس، والكرم،فضلاً عما يمتلكه من أخلاق وهدوء وتواضع وبساطة مع الجميع الصغير قبل الكبير، وبمشاعر صادقة ممتزجة بصفاء وسلامة القلب. ولد فقيدنا أبا صالح العام 1340ه وينتمي إلى آل غيهب من بني زيد وهو من الشعراء المميزين، لمحبته للشعر والشعراء، وراوٍ حقيقي وبطرق شيقة يربط خلالها القصيدة بصفات شاعرها، إلا أنه كان مغموراً في تلك الحقبة لطبيعة الحياة البسيطة والشعبية الجميلة في ذلك الحين، إلى أن أكرمنا الله ثم أحد أبنائه البررة والأوفياء لفقيدنا وللجميع، وهو ابن أخيه الدكتور محمد بن سعد المقرّي أستاذ جغرافية النقل المشارك بجامعة الملك سعود حالياً، حيث شرع بجمع وحفظ وتوثيق جميع قصائد عمه تمهيداً لإعداد ديوان شعري، على الرغم من ضيق وقته، كونه منهمكاً ببحوثه وإصداراته المتخصصة في علم الفلك والجغرافيا، وتمت طباعة وتوزيع أول ديوان شعري في العام 1429ه يحوي قصائد والدنا، وبعض قصائد شعراء جيله وأصدقائه المقربين، بواقع 251 صفحة، وأطلق عليه اسم "ديوان الداوردي" وسبب تسميته بالداوردي نسبة إلى اسم الدوادمي قديماً حيث كانت تسمى" داورد". وكان فقيدنا أبا صالح -رحمه الله- رجل عظيم، بل وكانت وراءه امرأة عظيمة بالفعل، وهي خالتي حصة المقرّي، والتي سبقته إلى رحمة الله قبل أربع سنوات ، حيث لم ولن تموت ذكراها وسيرتها الطيبة، وستبقى ذكرى أم خالد خالدةً بقلوب محبيها، كذكرى فقيدنا اليوم -والدنا عثمان-، سائلاً الله لهما الفردوس الأعلى وكل من يقرأ، وأن يوفق الله أبناءهم للبر وبإحياء ذكراهم بأعمال البر والخير.