اصدر د. محمد بن سعد المقرّي ديوان الداوردي وهو ديوان يضم اشعار عمه عثمان بن صالح المقرّي ويضم كذلك رواياته الاخبارية والشعرية التراثية ومعنى الداوردي نسبة إلى (داورد) وهي مدينة الدوادمي، كان يطلق عليها هذا الاسم قديماً وهي موطن الشاعر وبها عاش طفولته وصباه، ويقع الكتاب في (251 صفحة) من القطع الصغير وحرف صغير، لكن المؤلف اخرج الديوان بورق جميل وفاخر وجذاب وتصميم ممتاز، وقد حلاه بالصور ولو كان الحرف كبيراً لكنه أحسن لأنه الحرف الصغير يتعب القارئ ضعيف البصر ولعله يستدرك هذا في الطبعات القادمة، المقصود أن د. محمد المقرّي جمع أشعار عمه عثمان وتراثه الروائي والقصصي في هذا الكتاب فكان جمعاً لطيفاً ومفيداً وممتعاً ومسلياً لقد أحسن د. محمد المقرّي في جمعه لهذا الموروث عن عمه عثمان، ويا ليت كل شخص يعرف من أقربائه أنه من أصحاب الرواية والشعر أن يبادر بالتوثيق أولاً ثم نشرها ثانياً وذلك محافظة على هذا التراث من الشتات والإهمال. غلاف الديوان والأستاذ محمد هو من أولئك الذين بادروا بالتوثيق ثم بالنشر وقد كانت جلساته المتكررة التي لا تتوقف مع عمه عثمان معيناً له لا ينضب فكانت هذه المسامرات والأحاديث والأخبار والأشعار يسمعها من عمه في كل تلك الجلسات فشاور عمه عثمان على تدوينها، وبما أن الشاعر عثمان مخضرماً عاش ما قبل النفط وأدام التنقل بين مناطق مختلفة في المملكة والخليج والعراق والسودان ومصر سعياً للرزق فجعل منه هذا الترحال أن يكتسب روايات كثيرة من الناس حيث تلقى عنهم خبرات وتجارب وبقراءة هذا الديوان نرى أن الراوية والشاعر عثمان المقرّي لديه خزانة ممتازة من الرواية الشعبية وخصوصاً عن منطقة الدوادمي والشعراء وبلاد السر، لكن روايته متنوعة كشكولية فهو يحفظ الكثير من الروايات لمنطقة نجد عموماً وليس مقتصراً على جماعته أهل الدوادمي وقد قدم د. محمد للقارئ موجزاً عن حياة عمه عثمان وكيف عاش وأنه من مواليد سنة 1340ه وقد قسم هذا الديوان إلى فصول أربعة: الفصل الأول ما يختص باشعار الشاعر عثمان المقرّي والفصل الثاني مقتطفات مختارة اقتناها الشاعر من روايته وهذا الفصل يحتل حيزاً كبيراً في الديوان وفيه قصائد لم تنشر إلا في هذا الديوان، إضافة إلى قصص وأخبار نادرة رواها د. محمد عن عمه عثمان وأما الفصل الثالث الذي خصه د. محمد وهو فصل مليح وجميل وطريف وأنيس فيه الكثير من القصص المسلية من رواية الراوية عثمان، أما الفصل الرابع فهو قصائد مختارة بدون قصص من روايات الراوية عثمان وهو مثل الفصل الثاني، إلا أن الفصل الرابع هو سرد للقصائد فقط، أما الفصل الثاني فهو قصص، ونحن نشكر د. محمد على هذا الاهتمام والحرص الذي جسده في هذا الديوان الممتع والمفيد من أحد رواة الشعر والأخبار النجدية الذي لم يكن الإعلام والصحافة تعرفه ولم تلق عليه الأضواء وبهذا كشف لنا د. محمد المقري عن أحد أساطين الرواية الشعبية. فقد قدم د. محمد هذا الراوية والشاعر للقراء عامة والباحثين خاصة وهنيئاً له بهذا الديوان الفريد، ونختار من هذا الديوان قصيدة للشاعر عثمان وهي استغاثة بأن يسقى إليه عز وجل هذه النخيل في بلده: ألا يا الله يا رزاق كل المواشي عل عقب المحل ترجع ديار كثيرة من سحاب تزبر وارتدم في المناشي قام يزمي من المنشى ويزمي زبيرة زلزلن الرعود وبارقه بارتهاشي كن حس الرعد حس المهار المغيرة ترجع الدار منه ويرتون العطاشي يوم الأفلاك من والي القدر مستديره وله قصيدة أخرى في بلده الدوادمي التي تسمى قديماً داورد داورد حبك لاجي بالسراجيف لا والله إلا زاد عندي غلاها فيها الأناسة والرجوم المشاريف وهضبة مقيظ مزبنة من نصاها ومجبرة اللي مثلها بالتواصيف فيها ملاذ وتعجب اللي لفاها ودار أهلها بالقسا تكرم الضيف ومن دونها الشجعان عن من بغاها وللشاعر والراوية الكبير عثمان المقرّي حفظه الله قصائد غزلية جذابة رقيقة وحلوة أيام شبابه والأيام الخوالي منها: يا عيوني لا تهلين العباير اتركي عنك المناظر يا شقيه إن صبرت اليوم ما أقدر صبر باكر خايف جرح الهوى يلحق عليه والسبب من حط يدينه بناجر المهاوي تورده حوض المنية عين صقر مدهله عسر المواكر والجدايل لية من فوق لية لو دريتوا يا النشامى ويش صاير ما أحد منكم يبي يزرا عليه هذه قراءة موجزة عن ديوان الداوردي وكان من الأحسن لجامع الديوان د. محمد أنه يضع جدولاً لمعاني المفردات الواردة في الشعر لأن الكثير من القراء الذين لا يعرفونها وكذلك التعريف ببعض الشعراء الذين ليست لهم شهرة عريضة ولعل د. محمد يستدرك هذا في الطبعات القادمة.