شهر تفتح به أبواب الرحمة من هلته ما تغلق البيبان لتحري هلال شهر رمضان عند سكان الجزيرة العربية طقوس منذ القدم، وعندما تثبت رؤية الهلال يأتي دور الإعلان والبشرى بدخول شهر الصوم بوسائل الإعلان المتوافرة حسب الزمن، وتغطية أكبر عدد من سكان المملكة على اختلاف بيئاتهم في الصحراء الشاسعة، وخضعت وسائل الإعلان المختلفة لتغيرات، وواكبت التطور فاختفى أكثرها مع اختلاف الزمن، فيزيح الجديد المتطور القديم البالي، بكيفية إعلان دخول شهر رمضان للمجتمع، وحسبما جاءنا به الموروث الشعبي. فقبل الانفتاح على العالم، كان المجتمع يعتمد على إمكاناته ووسائله البسيطة بتلقي بشرى دخول هلال رمضان، فيُمسكون بمجرد حصولهم على الخبر بإحدى الوسائل المعروفة في ذلك الوقت، وكل جماعة أو قرية لها وسائلها التي تعتمد عليها للحصول على نبأ يبشرهم بدخول رمضان. وخلال السنوات التي تعاقبت على الجزيرة العربية، مرت وسائل إعلان خبر رؤية الهلال لبدء الصيام بعدة مراحل، ورغم بساطتها كان يُبذل فيها الجهد لتصل بأقصى سرعة وبوقت قصير، حيث يستعد السكان لتلقي الخبر بدءا من عصر يوم 29 شعبان. وكانت أسرع وسيلة لإبلاغ الخبر قديما هي إطلاق أصوات البنادق من القرية التي ثبتت رؤية الهلال فيها، وذلك بعدة طلقات سريعة ومتتالية، لتصل إلى مسامع سكان القرى القريبة كرمز لدخول شهر رمضان تعارف عليه المجتمع، فتتجاوب معها القرى التي سمعت، لتطلق بدورها صوت البنادق لتُسمعها القرى التي تليها ولم يصلها الصوت من القرية الأولى، وهكذا حتى يصل إلى أقصى قرية. ومن وسائل الإبلاغ قديما إطلاق صوت المدافع ب21 طلقة وعادة ما تكون في المدن الكبرى، وهو رمز يعرف منه المجتمع إبلاغهم بدخول شهر رمضان بعد تلقي الخبر من الجهات المعنية بذلك. وللمساجد دور مهم في إعلان دخول الشهر الكريم بواسطة أئمة المساجد، ومنها إقامة صلاة التراويح التي يعتبر أداؤها إعلانا بدخول شهر رمضان. ثم يأتي دور النجّاب في ذاكرة رمضان، وهو مرسال يجوب البادية والقرى البعيدة على ظهر ناقة لإبلاغ ساكنيها والبعيدين عن وسائل الإعلان بدخول الشهر الكريم. ورغم الجهد قديما وما يواجه المسؤولين من عناء حتى يصل الإعلان إلى كل السكان، إلا أنه كان هناك من لا تصلهم الأخبار، لصعوبة التواصل في صحراء شاسعة مترامية الأطراف، حيث يسكنون في مواقع بعيدة عن المراكز المعنية بإعلان هلال الشهر الكريم، فيتمون شعبان ثلاثين يوما، ليقضوا ما فاتهم بعدما يصلهم الخبر متأخرا وبعد انقضاء الشهر الكريم. ألغى دخول الإذاعة عام 1368ه هذه الوسائل البدائية، وبدأت مرحلة جديدة أقل تكلفة وجهدا وعناء مضنيا، وأصبحت الإذاعة شبه مسموعة في المملكة، فأصبح التبليغ منها أسهل وأسرع مما كان عليه، ليصل الخبر عبر الأثير إلى مسامع بعيدة جدا، فخففت عن البرقية وإن لم تلغها، لعدم مقدرة البعض على شراء جهاز الراديو بسبب الفقر، أو بسبب وعورة التضاريس في بعض مناطق المملكة التي يمنع استقبال البث، ولذا استمرت كل قرية تحتفل بصوت البنادق حين تسمع الخبر من الإذاعة، واستمر بعضها ينتظر مرسال البرقية. تطورت المرحلة الجديدة في إبلاغ رؤية شهر رمضان وبشكل أفضل وتغطية أوسع مع أول بث للتلفزيون السعودي عام 1385ه. فيتم إعلان الخبر من التلفزيون متزامنا مع والإذاعة، كإعلان رسمي معتمد من الجهات العليا برؤية هلال رمضان لكل مناطق المملكة وبلحظة واحدة، حيث تقطعان برامجهما لتبُثا إعلان الخبر المعتمد من مجلس القضاء الأعلى بالمملكة برؤية هلال شهر رمضان، تتبعها تهنئة من ملك المملكة العربية السعودية للشعب السعودي وللأمتين العربية والإسلامية. ومع اعتماد الإذاعة والتلفزيون كجهة رسمية ومعتمدة لإعلان بشرى الخير ودخولها في كل بيت سعودي، صمتت أصوات البنادق والمدافع عن الإعلان بالشهر الكريم، وترجل النجّاب عن ظهر ناقته، وصدأت آلة البرقية، بعد أن أدت دورا عظيما كوسائل لإبلاغ المسلمين الصوم احتفظت بها الذاكرة الشعبية، وبما رافقها من طقوس واحتفالات بسيطة وعادات وتقاليد كالتهنئة عبّر بها المجتمع عن فرحته بقدوم هذا الشهر. اليوم ومع الانفجار العلمي والتكنولوجي، أصبح المسلمون يعلمون مسبقا متى سيكون دخول شهر رمضان بوسائل التواصل المختلفة وبالحساب الفلكي الحديث، إلا أن الإعلان الرسمي لرؤية شهر رمضان بوسائل الإعلام الرسمية ما زال معتمدا بعد ثبوته من مجلس القضاء الأعلى؛ لأن رؤيته تخضع لحسابات فلكية دقيقة ومتعددة، يختص بها علماء متخصصون بهذا الشأن، يؤكدون دخوله. يقول الشاعر مرشد البذال رحمه الله: شهر تفتح به ابواب الرحمة من هلته ماتغلق البيبان شهر به العابد تحبل ذنوبه يظهر فرط من جملة الفرطان شهر العبادة والتسامح والدعا ومحبسات به جميع الجان باشر صيامك يابن آدم واخشع خشعة جسد ماهي خشوع لسان المرسول فوق النجيبة