الحياة بطبيعتها متغيرة ومتعاقبة في أحداثها، والتغيير سنة كونية تبدأ من داخل الإنسان أو من داخل ذات المجتمع أو المنظمة أياً كانت. ولا شك أن التفاعل مع كل موجة تغيير في أي مجتمع أو في أي حقل من حقول المعرفة أو الاقتصاد يُشكل حوله هالة من الجاذبية الساطعة التي تشد الآخرين وتثير لديهم شحنات من الفضول. والتعامل مع التغيير المتسارع أرى أنه لا يخرج عن ثلاثة أنواع من العقليات. عقلية الجمود: وهي التي ترفض التغيير، أو أنها تستجيب لبعض من التغيير الشكلي ولكن بداخلها لا تزال تمارس نفس التقاليد في التعامل مع أفراد المنظمة، فهي تكثر من الشعارات، وتتجمل بحلة من الزخارف، ولكن الروح التي تنشط في داخلها هي أصلاً في مرحلة الكهولة، وتقاد بعقليةٍ لا تزال متمسكة بنفس لوائح الماضي وسياساته، وتفتقر إلى التحفيز، وتجد أن الفرد في هذه المنظمة يتضور من الشكاية، ويعيش في إطار الفوضى والبحث عن الذات والاستقرار، ويتلبسه الخوف تجاه مصيره، بل قد تجد أن هذه العقلية تطلق عبارات تحاكي قيماً متنوعة وفضفاضة، وفي بعض قرارتها تجد الغموض أول جداراً يحجب عنك آلية وكيفية صناعة القرار. عقلية التوازي: هذه العقلية أكثر أماناً من العقلية السابقة، ولكنها قد تخطئ، والجميل أنها تتعلم من أخطائها إذا كانت لديها رؤية ووعي ومراجعة دورية، فهي تحاول أن تقتبس أحدث التجارب، وتسعى فعلياً للتغيير بتطبيق المعايير الحديثة التي تجدد المنظمة، فالفرد فيها يشعر بنوع من الاستقرار، ويشعر أيضاً أنه يواكب أحدث التغيّرات في العالم، وتجد لديه إحساساً بأنه أنموذج يحتذى به، من قيمها الرفاهية والتطور والتحديث والتنظيم، وسيكون الفرد فيها بالطبع مختلفاً. عقلية استشراف المستقبل: هي عقلية تبحث عن الفرص التي قد تتخلق في المستقبل، وتحاول أن تبدع، وأن تبتكر وتركض إلى التطوير، وتطرح أسئلة كيف سيكون الطلب، وكيف سأرى مجتمعي أو منظمتي، وماذا ستكون رؤيتي وكيف سأبني أهدافي، هي أسئلة تشكل حجر الشطرنج لخطة المستقبل، يتم العمل بها على المنظمة والفرد، فكلاهما حجر أساسٍ للوصول إلى الهدف، فالفرد تجد أنه يشارك في الرؤية وفي الأهداف، ولديه علمٌ كيف سيعمل للوصول إلى الهدف، فالشعور بالتهديدات في عمله ستكون أقل ما يكون، والمعيار في هذه المنظومة الاتقان والإبداع، وليس العُمر أو الشهادة أو "الواسطة". تتسم هذه العقلية بأنها عقلية مرفهة، ولديها وعي مميز، وغنية بالإستراتيجية، ولديها تخمة من الإيجابية التي تنتشر في نواحي المنظومة.