لا أعرف هل تختار قصائد الشعراء زمنها حينما تتخلق في ساعة ما كثير من القصائد بل حتى الأبيات على اختلاف عصورها كأنما تنتقي زمنها، وربما يشعر شاعرها حينها بورطة التكرار أو حتى استجداء رؤيا جديدة داخل رؤيا مكتملة، حينما يسبق حضورها زمنها، أو أنها إنما وجدت لتكون فيه أو له حينما يأتي بمعنى آخر إذا تكررت حالة القصيدة على كل المستويات الممكنة لبواعثها وتجليّاتها، كيف ستكون حينها ورطة التعبير والخروج من مأزق التكرار، بل هل يعد هذا نبوءة مبكرة، وحالة تخلّق جديد لها، أم أن حالات المرء متشابهة، فتتشابه معها الرغبة في التعبير بالقدر ذاته من البواعث والحيثيات؟ وإذا كان هذا الأمر على مستوى التلقي فعلًا طبيعيًّا واعتياديًّا، على اعتبار أن الشعر وجد لكل الأزمنة تعبيرًا خالدًا متعدد لأغراض والاتجاهات من حيث الاستدعاء والتمثّل، فمع خطوات الإنسان المعاصر اللاهثة وراء الغد وأفعال المستقبل، يظل الشعر أحد أهم مكونات الجوهر الإنساني، فهو كوّة من الأمس والغد، الأحلام والذكرى، الأثر والخلود، الحقيقة ورحلة البحث عنها، فالشعراء الذين يقومون برحلات متتابعة نحو الجوهر الإنساني ثم لا يعودون منه إلا ببخور أرواحهم، سيبقون دائما أحد أهم مصادر توثيق الوجود حين يتركون في قصائدهم يومهم، وفي تداعياتهم أمسنا جميعا، وفي استشرافهم ما لا نراه دونهم، وهذا هو جوهر الشعر فينا، وبالتالي لا يبدو التكرار والاستعادة إلا إيمانًا بأثره وقيمته، لكنّ هذا الأمر لا يبدو مغريًا أو كافيًا لدى الشعراء أنفسهم حينما تتكرر حالات القصيدة حد التطابق أحيانا، وبالتالي يشعر الشاعر بشكل أو بآخر بأن هناك شيئًا آخر لم يقله بعد، وسيظلّ يبحث عنه، ولعلني اعتقدت دائما أن كل الشعراء الذين تحتفظ ذاكرتنا بهم ماتوا وهم يبحثون عن قصيدتهم الأجمل، تلك القصيدة التي ماتوا دون أن يدركوها، لكننا حتما أدركناها بعدهم، حيث وصلت لزمنها الخالد أخيرًا. فاصلة: نشأتْ يداكَ على العناق تنمّلتْ.. تركت لصورتك القديمة في جدار الريح نحّاتًا يجيد النقشَ فوق ستائرِ الغيب الكتومِ ويستعيذ من التكرّرِ كلما فتحَ النوافذَ للبعيدْ ..!