في زمن الأسود والأبيض.. حيث تتزوج كان وتتجهّز أخواتها كما تقول شادية وحيث يبدو الأستاذ حمام مدرسًا للغةٍ قديمةٍ بالية يدعونها اللغة العربية، يلبس ذلك الأستاذ اللغوي أي المشغول باللغة ثياب المنافق الذي يروّض قصائده لمصالحه بمجّانية مقيتةٍ وبحضورٍ(أشعبي) وتسفيهٍ لا ينتهي، ولأننا كشعبٍ عربيٍّ يؤمن بنظرية التآمر في كل شيء اعتبرنا ذلك البعد الدرامي الخاص باللغة العربية وشعرائها الذي يؤصّل له الريحاني ورفاقه حينها مؤامرة شعوبية ضد اللغة العربية، لاسيما وقصيدة حافظ إبراهيم على لسان اللغة أشارت بوضوح كامل لهذه المؤامرة اذ يقول: أرى كل يوم في الجرائد مزلقًا من القبر يدنيني بغير مماتِ وأسمع للكتّاب في مصر ضجة فأعلم أن الصائحين نعاتي والحقيقة أن مفهوم الشعر بشكل عام في تلك الفترة هو من خلق هذا البعد.. حتى أمير الشعراء ورائد الإحياء الكبير أحمد شوقي.. تمنيت دائما لو أنني أحذف نصف ديوانه لأستطيع التفاعل مع روائعه الأخرى، لكنّ ارتباط الشعر بالفلسفة كثيرا في السنوات الأخيرة غيّر من مفهوم الشعر وحضوره كيف ومتى وأين يكون على الرغم من أن السينما لاتزال تقوم بذات الدور الذي قامت به في زمن الأسود والأبيض.. وما حكاية ديوان (أبيع نفسي) في فيلم مرجان أحمد مرجان لعادل إمام إلا وجه آخر لذلك الدور الانتقاصي الذي تمارسه السينما على الشعر والشعراء، وأيّا كان الأمر بالنسبة للسينما فهي تخلق رؤيتها بما يستهوي جمهورها وليس من بين أدوارها تعديل الصورة حتى لو كانت أحد أسباب ميلانها منذ البدء، ويبقى اللوم الأكبر موجّها لبعض مؤسساتنا ومراكزنا الثقافية التي تطلّ علينا بين الحين والآخر بمسابقات ومنافسات شعرية توجّه الشعر وتحدّد قضيته وموضوعه، وهو توجيه يؤمن بصناعة القصيدة من حيث المبدأ في زمن يرفض أن يكون الشاعر موجّهًا والقصيدة وسيلة، فالقصيدة الحقيقية اليوم لاتعرفها قبل أن تلتقيها ولا تلتقيها لتعرفها، تخلق زمنها ورؤاها وبواعثها، فتعرّف بك قبل ان تكتشفها وتكتبك حين تتوهّم أنك من يكتبها وتظلّ في آخر الأمر أثرًا أخلد من حياة وأبقى من مصير.. وأجزم في كل العصور والأزمنة أنه لو أن للقصيدة وصفة لا استأثر بها الأغنياء قبل أن يلجأ بعضهم لشراء الشعراء أنفسهم ثم يكتشفون مع أول حضورٍ دونهم أنهم لم يشتروا غير الوهم في حياتهم ثم يموتون وقد زوّروا تاريخهم، والحديث يطول في هذا الشأن كثيرا إلا أنني سأختم ملتمسا وراجيا أن تتنبّه مؤسساتنا الثقافية لهذا البعد المفجع في فهمنا للشعر ثم تجعل مناسباتها ومنافساتها خالصة لوجه الشعر، وإلا سيكونون في آخر الأمر شركاء حقيقيين في ضياع القيمة الإنسانية الخالدة للشعر فينا حين كان ومازال بخور أرواحنا بعد التصاقها بالجوهر الإنساني المتوهّج...!