في عام 1998م طوّر رئيس جمعية علماء النفس الأميركيين مارتن سليجمان عملية "التفكير الإيجابي" وحوله إلى "علمٍ للنفس الإيجابي"، كعلمٍ يقوم بالدراسة العلمية لما يحقق السعادة للناس مهتماً بجميع تفاصيل الحياة الإيجابية مما يساهم في تحسينها وعيشها بشكلٍ أفضل، ويهتم بالأمور التي تساعد الفرد ليكون قوياً داخل مجتمعه من خلال التركيز على صفاته الإيجابية، وتطويرها وتحسينها لتعود بالنفع عليه، وعلى المجتمع الذي يعيشه. ولذا يؤمن اليوم أرباب التربية والتعليم بأهمية "التعليم الإيجابي" كنهجٍ واستراتيجية وممارسة تطبيقية في التعليم، معتمداً على تركيز "علم النفس الإيجابي" على القوة الذاتية لتعزيز التعلّم ورفاهية المتعلم. وقد برزت الكثير من الدراسات التي تشير إلى أن "التعليم الإيجابي" نهجٌ يساعد على تعزيز الثقة بالنفس ومساعدة المتعلمين على تحقيق الدافعية وزيادة الإنتاجية، مع ممارسة قيمة السعادة والفرح والمشاعر الإيجابية، وهذا ما يقودهم إلى العيش بشكلٍ سليمٍ. والتجارب التربوية والعالمية في تطبيق "التعليم الإيجابي" متعددة، فنجد مدرسة (Geelong Grammar) الاسترالية منذ العام 2008م وهي تتبنى شعار "نتعلم أفضل إن كنا سعداء"، وتمارس المدرسة استراتيجيات علم النفس الإيجابي من خلال الجمع بين التأمل والتدريس؛ للإحساس بالسعادة كممارسة منتظمة بمنظومة واحدة مع الطلاب. وفي ألمانيا تقوم مدرسة (Lerchenfeld) في هامبورغ بتعليم الطلاب كيفية الشعور بالسعادة، ومواجهة الضغوط والإجهاد، والمعلمون يتدربون مع متخصصي "السعادة" لتعليم الإيجابية لجميع الفئات العمرية في هذه المدرسة. وفي مملكة "بوتان" نجد مدرسة (Woochu Lower) بمدينة بارو، أول من طبق مشروع السعادة الوطنية الشاملة (GNH) كفلسفة تعزّز السعادة والرفاه الروحي للطلاب من خلال تعليمهم قيمة التمتع بصحة فكريّة سليمة يمكن تطويرها كي يُصبحوا مواطنين منتجين وسعداء. ونفخر اليوم بتجربة دولة "الإمارات" الحبيبة في بذلها الجهود الكبيرة والمشروعات المتميزة للارتقاء بالعملية التعليمية ومخرجاتها بخططٍ وأنظمةٍ رائدة من بينها "التعليم الإيجابي"، والذي يعد إحدى النقلات النوعية "للمدرسة الإماراتية" المميزة. وفي نفس المنعطف، وفي نسخته الخامسة، عُقد المنتدى الخليجي الخامس للمعلمين بالإمارات تحت شعار «التعليم الإيجابي.. نهج حياة»، والذي تبنته وزارة التربية والتعليم باحترافيّة ومهنيّة عالية لنحو 12 ألف معلم ومعلمة، و2000 من قيادات المدرسة الإماراتية، قُدمت فيه برامج معتمدة للمعلمين والقيادات المدرسية في "التعليم الإيجابي"، و500 ورشة تدريبية مع فعاليات "الطاولة المستديرة" الفاعلة، قدمها 82 مستشاراً وخبيراً ومدرباً، مستهدفةً أهمية تعزيز مكانة التعليم الإيجابي، كمشروعٍ تتبناه "المدرسة الإماراتية" بشمولية نحو تحصيل أكاديمي مميز وتعليمٍ إيجابي مستدام كتجربة تربوية رائدة في عالمنا العربي. ختاماً، بقي في زمننا المتسارع بكل اتجاهاته ومستقبلياته وثوراته التكنولوجية أن نؤمن أن التعليم القائم على الإيجابية يمنح الطلبة المهارات اللازمة للازدهار والتعايش مع كل المتغيرات، ليس في المدرسة فقط، بل في الحياة؛ للارتقاء بجودة التعليم والحياة ومستقبلهما معاً.