رؤية 2030 قدمت لنا أفكارًا جديدة ذات نقلة نوعية، عززت حياة المجتمع، وطورت الأفكار بصورة فعالة، وجعلتنا على ثقة بنتائج أفعالنا، وأن نعيش الحياة طبقًا لقيمنا الحقيقية في إطار من المسؤولية؛ مسؤوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.. في السنوات السابقة، درج بعض الأثرياء العصاميين على كتابة قصص كفاحهم، كيف بدؤوا من الصفر بفكرة جديدة وكيف وصلوا.. والواقع أن قصة النجاح تبدأ من تلك اللحظة الحاسمة، التي يرى فيها المرء نفسه عند منطقة الصفر بكل وضوح وتوهج.. أين هو؟ وأين يقف؟ وما خياراته؟ وكيف يحدد مساره؟ وإلى أين يسير؟ وفي أي اتجاه؟ فعندما نلتقط خيط التفكير عند نقطة الصفر، ندرك أنه ليس هنالك سلوك متفرد أو حالة خاصة أو يقظة فكرية أو ما يعرف بالحظ والمصادفة لصناعة النجاح.. وعندما تسأل أحدهم لا يستطيع أن يفسر لك سر نجاحه، إلا أنه أحيانًا تكون هنالك لحظات وتجليات ونزعات فطرية تتجلى فيها أفكار ملهمة، تصدر عن انبعاث تلقائي، تتقوى وتتفاعل وتتصاعد بالمحاولة والمتابعة والمثابرة ومحاربة التوقف عند حد معين إلى أن تبلغ الغاية. ولكن قليلون هم أولئك الذين تسعدهم ملابسات الحياة بلحظات التوهج، ولكن لعلنا نقف على ذلك المبدأ العقلي، الذي يصور لنا على أن ما نفكر فيه معظم الوقت هو ما سنكون عليه طيلة حياتنا. بوسع هذه الفلسفة العقلية أن تضعنا على خط النجاح؛ إذ إن كل شيء يبدأ بفكرة، فإذا ما كنا أكثر براعة بالانتقال بالفكرة إلى الهدف، فسنرى أحلامنا أو غاياتنا أمامنا، وندرك أن شيئًا ما يدفعنا إلى الغاية الأخرى، فالغاية الكبرى هي أن نركز تفكيرنا فيما نود أن نكون عليه، فالإنسان الذي لديه أفكار وأهداف متفردة، يتصف بالصفات التي تصنع النجاح.. فأحد أسرار النجاح يتوقف على الطريقة التي تفكر بها، والأهداف التي تصنعها، ومقدرتك على توقع نتائج أفكارك المستقبلية بمنتهى الدقة. فعندما نبصر الصورة كاملة، نقف على مستوى حياتنا، ونبدأ في صناعة خياراتنا، وطبيعة الحياة التي نود أن نحياها، على أن تأخذ تلك الخيارات شكلًا من أشكال الفعل الإيجابي، وعند ذلك تتحول حياتنا إلى سلسلة من النجاحات. لنتأمل قصة الرئيس روزفلت من الناحية المثالية، ومن منظور فهمنا الجديد كقوة دافعة للعصر الأميركي الجديد، الذي - كما يقال - ولد في زمن مناسب للولايات المتحدة الأميركية أوائل القرن العشرين، ومارس تأثيرًا قويًا في الحياة، مجسدًا روح عصر النهضة. فعندما كان الرئيس روزفلت يتزعم البيت الأبيض، كانت قدراته ومداركه وإمكاناته موجهة إلى تحقيق وتفعيل الصواب بنسبة لا تتجاوز 70 في المئة، فإذا كان هذا أعلى معدل لأشهر رجل عاش في القرن العشرين. فإذا كان في مقدورنا أن نصل إلى نسبة 50 في المئة، فيمكننا أن نربح الحياة باقتدار. ما الرسالة المستقاة من كل هذا؟ إن المفتاح الأساس للنجاح هو أن تكون لدينا خيارات، وسبيل للتغير، وتوجيه حياتنا بما يعرف بنظام التحسين المستمر، أو اعتناق الفرص المتغيرة؛ لنفسح المجال لحياة جديدة. فالجيل الجديد يتلقى التأثيرات الفكرية بصورة مباشرة، فكفاءتهم الذهنية تمكنهم من التفاعل مع التأثيرات، رغم أنهم متحررون نسبيًا من تحفظات ذوي المصالح الثابتة. فرؤية 2030 أوجدت نظامًا جديدًا في التفكير والسلوك، وأصبحت تُعنى بفرص الحاضر، وهذا هو العامل الذي كنا نفتقر إليه.. وفي رأينا أن الرؤية وحدها كفيلة بصناعة حياة تروق للأجيال الجديدة، لقد جاءت الرؤية في أوانها. ولكن ما جوهر هذه الرؤية؟ فعندما نقف على واقع رؤية 2030، يتبين لنا أن الرؤية قدمت أفكارًا جديدة ذات نقلة نوعية، عززت حياة المجتمع، وطورت الأفكار بصورة فعالة، وجعلتنا على ثقة بنتائج أفعالنا، وأن نعيش الحياة طبقًا لقيمنا الحقيقية في إطار من المسؤولية؛ مسؤوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. ماذا يمكننا أن نتعلم من ذلك؟ الاستجابة للتغيير والإحساس بالتطور وإن كانت النقطة التي يجب علينا أن نقف عندها هي ألا نظل على حالنا. فلو تأملنا فيما خُطط ونُفذ منذ إطلاق الرؤية إلى اليوم، لوقفنا على واقع ومشهد جديدين، ذلك أن كل الإنجازات التي كانت في مستوى الأحلام في أمس قريب صارت اليوم في متناول اليد. لقد وضعنا وراءنا مرحلة سابقة، واختزلنا في أعوام قصيرة ما استغرق الحضارة الحديثة، التي سبقتنا أعوامًا طويلة؛ إذ لم تعد هنالك حواجز أو حدود تستطيع أن تجهض طموحاتنا.. فنحن اليوم نمتلك المقدرات البشرية، التي نستطيع بها أن نستفيد فائدة واعية من مقدرات ومعطيات العلم الحديث، فعصرنا يشهد فعل عوامل عديدة ذات إمكانات عظيمة: التقدم العلمي وقوة الاتصالات. وهنا تتجلى قدرة برنامج التحول الوطني رؤية 2030، التي أعادت صياغة المجتمع من جديد، وأكدت سلامة الوجهة الحضارية؛ إذ إنها بداية مهمة لحركة تحول حضاري في التاريخ السعودي الحديث.