إذا لم يكن لديك فكرة لما يمكن أن تكون عليه لا يمكن أن يكون لديك مشروع نجاح فالأفكار تكمن في الوقت والمعرفة والأداء السريع والإنجاز المتلاحق فالطريقة التي تعيش بها حياتك سوف تكشف لك مقدار علاقتك بتلك الصفات.. في أمسية ثقافية في الرياض حاولتُ استجلاء مفهوم العلاقة ما بين العصامية والنجاح في المحاضرة التي ألقيتها في حقل السير الذاتية [الأتوبيوغرافيا] والتي وقفت فيها على جوهر ومقومات العصامية والتغيرات والتحولات التي تطرأ على حياة العصامي في نشأته الجديدة والضوء الذي تلقيه التجربة على حياة العصامي. فعلى مدى سنوات طويلة كتبتُ ونشرتُ عددًا من السير الذاتية لكبار العصاميين الناجحين الذين بدؤوا من نقطة الصفر. وغالبًا ما أُسأل بعد نشر كل تجربة عن علاقة العصامي بالنجاح وعن سر نجاحه وتفوقه والواقع أن علاقة العصامي بالنجاح تبدأ من تلك اللحظة الحاسمة التي يرى العصامي نفسه فيها بكل وضوح أين هو وأين يقف واللحظة التي هو فيها عندها يبدأ في تشكيل أفكاره وخياراته ومساراته وتطلعاته. فالبدايات تضع كل تجربة أو محاولة على أنها تجربة ومحاولة تعلّم وتدريب وليست محاولة أو تجربة إثبات محاولة.. فخطأ.. ثم محاولة فإخفاق ثم نجاح فعندما نلتقط خيط التفكير عند نقطة الصفر ندرك بأنه ليس هنالك سلوك متفرد أو حالة خاصة أو يقظة فكرية أو ما يعرف بالحظ والمصادفة لصناعة النجاح وعندما تسأل أحدهم لا يستطيع أن يفسر لك سر نجاحه إلا أنه أحيانًا تكون هنالك لحظات وتجليات ونزعات فطرية تتجلى فيها أفكار ملهمة تصدر عن انبعاث تلقائي تتقوى وتتفاعل وتتصاعد بالمحاولة والمتابعة والمثابرة ومحاربة التوقف عند حد معين إلى أن تبلغ الغاية. ولكن قليلون هم أولئك الذين تسعدهم ملابسات الحياة بلحظات التوهج ولكن لعلنا نقف على ذلك المبدأ العقلي الذي يصور لنا على أن ما نفكر فيه معظم الوقت هو ما سوف نكون عليه طيلة حياتنا. بوسع هذه الفلسفة العقلية أن تضعنا على خط النجاح إذ إن كل شيء يبدأ بفكرة فإذا ما كنا أكثر براعة بالانتقال بالفكرة إلى الهدف سوف نرى أحلامنا أو غاياتنا أمامنا وندرك أن شيئًا ما يدفعنا إلى الغاية الأخرى فالغاية الكبرى على أن نركز تفكيرنا في ما نود أن نكون عليه فالإنسان الذي لديه أفكار وأهداف متفردة يتصف بالصفات التي تصنع النجاح. فأحد أسرار النجاح يتوقف على الطريقة التي تفكر بها والأهداف التي تصنعها ومقدرتك على توقع نتائج أفكارك المستقبلية بمنتهى الدقة. فإذا لم يكن لديك فكرة لما يمكن أن تكون عليه لا يمكن أن يكون لديك مشروع نجاح فالأفكار تكمن في الوقت والمعرفة والأداء السريع والإنجاز المتلاحق فالطريقة التي تعيش بها حياتك سوف تكشف لك مقدار علاقتك بتلك الصفات. فالارتباط المصيري بين العصامية والتجربة يتمثل في مدى انفصالك عن مسارك الاعتيادي إلى مسار آخر يوفر لك الوقت الملائم لآمالك وتطلعاتك وحركة كفاحك وما يفرضه عليك كفاحك من معاناة وتحديات ومجالدة وبذل وتضحيات. في ستينيات القرن الماضي عندما بدأ الباحث الاجتماعي بريان تراسي في دراسة العصاميين في الولاياتالمتحدة كان هنالك سبع مئة ألف مليونير بدؤوا من نقطة الصفر وبحلول الثمانينيات طبقًا لمركز IRS وصلوا إلى مليون وثماني مئة ألف واليوم يوجد في أميركا خمسة ملايين مليونير عصامي بزيادة 227 % خلال 22 عامًا. كما أمضى د. توماس ستانلي من جامعة جورجيابالولاياتالمتحدة الأميركية أكثر من ثلاثين عامًا يدرس الأثرياء العصاميين فقد عقد لقاءات مع مجموعة كبيرة من العصاميين الناجحين وقد نشر نتائج دراساته في مجموعات متنوعة من الكتب والدراسات البحثية والتقارير بما في ذلك الكتابان اللذان حققا أفضل المبيعات وهما: The Millionaire Mind وThe Millionaire Next door وقد توصل إلى أنه بإمكان أي إنسان أن يبدأ من الصفر وينجح ويكوّن مؤسسات ومنظومات تجارية وشركات فبعض الشركات الأميركية الكبرى بدأت من أحد المطابخ أو أحد المباسط أو الباعة المتجولين أو كرافانات المبيعات أو المنازل أو الكراجات كشركة كمبيوتر أبل. في اللقاءات التي أجراها د. توماس ستانلي مع أصحاب الملايين العصاميين اكتشف أن هنالك قاسمًا مشتركًا للنجاح إذ يرى أن من أهم الصفات التي يتصف بها العصامي إدارته لحياته على نحو مختلف عن الشخص العادي وتميزه بالفاعلية على الدوام ووضوح وجهته وهدفه وتكريس وقته للإنتاج يبدأ في وقت مبكر ويعمل بجهد أكبر ويبقى لوقت أطول ولا يشغل وقته في التفاعلات الاجتماعية والمكالمات الهاتفية الشخصية وتصفح الإنترنت أو الشؤون الخاصة فطبقًا لبعض الدراسات يقضي العصاميون ما بين 70 إلى 80 ساعة أسبوعيًا في العمل. وأعتقد أن من أهم أسباب النجاح الهجرة أو الانتقال من بيئات ساكنة إلى بيئات متحركة فهجرة الروس فيما كان يعرف سابقًا بالاتحاد السوفييتي إلى الولاياتالمتحدة الأميركية حققت نجاحًا مطلقًا في الولاياتالمتحدة الأميركية وتفوقًا ملحوظًا على غيرهم من المهاجرين الآخرين. وهجرة الصينيين إلى سنغافورة وماليزيا وكندا وهجرة الحضارم وهجرة اللبنانيين إلى مختلف دول العالم. ولعل سبب نجاح أولئك انتقالهم من بيئات يواجهون فيها صعوبة بالغة في النجاح إلى أمكنة تتمتع بمقومات النجاح وأعتقد أن كثيرًا من العصاميين الكبار استفادوا من تجربة الحضارم لأن معظم النقلات النوعية لمعظم رجال الأعمال حدثت بعد الاحتكاك بالحضارم والتأثر بتجاربهم. في عالم الأعمال والتجارة اليوم هنالك أربعة مصادر رئيسة للقيمة: الوقت والمعرفة والإيقاع السريع والإنجاز المتلاحق. لقد أمضى علماء النفس سنوات عديدة في البحث عن سيكولوجية النجاح وسيكولوجية الفشل وتوصلت أغلب دراساتهم إلى أن هنالك عقبة أساسية تحول دون التقدم أشار إليها د. مارتن سليجمان من جامعة بنسلفانيا في كتابه Learned Optimism أو التفاؤل المكتسب knopf, 1995 وأطلق عليها العجز المكتسب وقد أرجعه إلى مرحلة الطفولة حينما يتعرض الطفل إلى انتقادات حادة وهزائم نفسية وسلسلة من المؤثرات السلبية والتي تعرض مستقبل حياته إلى الفشل والعجز والانهزامية. Your browser does not support the video tag.