إن ديناميكية التحولات الإيجابية تترك آثارها بعمق على منعطفات الحياة وهي ما بدأنا نلمسها في برنامج التحول الوطني وفي مشروع بناء الإنسان بناءً حقيقيًا وتأسيسه من جديد.. في كتابه الرائع تحرير الذات كتب جاي فينلي - وهو بالمناسبة كاتب ومفكر قامت أفكاره على السياقات الفلسفية - أن الحقيقة عندها القدرة الكاملة على اكتشاف ما هو زائف.. وهي حقيقة علينا أن نثق بها ونعتمد عليها في سلامة وجهتنا وفي اكتشاف الفروق الدقيقة ما بين الحقيقة والزيف. تلك فكرة لازمت تفكيري - منذ سنوات - واستأثرت بتأملاتي وقراءاتي، فالحقيقة لا تتبدل حتى في الأزمات المتصفة بالتغيرات والتحولات المتسارعة، أو حتى حينما يكون لدينا فهم ناقص لأي موقف أو تجربة. إن ما علينا أن نفعله هو مجارات التطورات، وأن نعدل نظرتنا متى ما غير الزمن وجهه، ونحافظ على وحدتنا الفكرية. إن الغاية من أفكارنا وتأملاتنا وقراءاتنا هو ألا نظل على حالنا، ذلك أننا نضيّع وقتًا طويلًا من حياتنا في اكتشاف أنفسنا في الوقت الذي تكون فيه رحلتنا أوشكت على الانتهاء، فالحياة تتحرك كما يجب أن تكون عليه وما علينا إلا أن نواصل السير. لقد أدرك الحكماء والفلاسفة والمفكرون منذ البداية أن كل لحظة حالية هي لحظة جديدة، والجديد هو اللحظة الحالية، واللحظة الحالية تطرح الماضي باستمرار، والجديد يتطلع دائمًا إلى ما هو أحدث منه في احتفاء أبدي بالحياة، راقب أي نظام حي ترَ قيمة البدء من جديد، فلو أخفق أي شيء في الحياة في طرح الماضي فإنه سرعان ما يتوقف، فالينبوع الذي يتوقف عن تجديد مائه يصير راكدًا وآسنًا هذا الفعل القوي للحياة لا ينطبق على شيء أكثر مما ينطبق على الحياة البشرية. في هذا المنعطف من حياتنا جاءت رؤية 2030 تنقلنا إلى الوقع الحاضر ومركزة بوضوح على ما نرغب فيه حقًا. لقد وقفت بنا الرؤية على الخلل المأساوي والموضوعات المعتلة في أذهاننا، ذلك أننا لن نستطيع أن نتقدم بمجرد التفكير وإنما بالرحيل عن الفكرة والدخول في الحاضر وفي هذه الحال نكون طرحنا الفكرة وراءنا وصار الحاضر بين يدينا ليس من أجل أن نكون شيئًا وإنما من أجل أن نصنع شيئًا جديدًا وفعالًا، فالرؤية هي اللحظة الحاسمة في درج صعودنا اللامحدود، والنقلة الكبرى من أمسنا إلى غدنا غير المحدود. إن ديناميكية التحولات الإيجابية تترك آثارها بعمق على منعطفات الحياة وهي ما بدأنا نلمسها في برنامج التحول الوطني وفي مشروع بناء الإنسان بناء حقيقيًا وتأسيسه من جديد. فعند هذه اللحظة التاريخية يلوح في الأفق الدور الحيوي لتطبيقات الرؤية على الواقع والإرادة الجريئة والقفزة النوعية لإحالة العلاقة ما بين التقليد والحداثة إلى تفاعل خلاق. فالرؤية لا تعني الوصول بنا إلى محطة جديدة فحسب وإنما تخليصنا من رحلة التوهان التي أضاعت علينا سنين طويلة، لقد أحدثت الرؤية يقظة في الهدف والغاية نقلتنا إلى الحقيقة والآن صار لحياتنا هدف. إن كل ما نحتاجه هو استعادة توازننا، لقد كانت الأفكار الدعوية المسيسة هي المسؤولة الأولى عن إبعادنا عن الواقع، فالاستقراء الموضوعي يكشف لنا بوضوح أن هيمنة تلك الأفكار الدعوية المسيسة على أوجه الحياة الدينية والاجتماعية شكلت أسبابًا جذرية لإعاقة محاولات التقدم، وذلك عن طريق تهميش الحضور الوطني وتعميق استمرار حلة التأخر بتسييس الدين وتسخيره لحسابات سياسية وشخصية وفئوية، وذلك بإدخال العامل الديني الحركي المستورد بدل العامل الوطني وتهميش الحضور الديني والوطني كعنصر جامع بين فئات المجتمع، وتأسيس المجتمع على روابط غير وطنية مما أورث تناقضات حادة في البنى الاجتماعية، وذلك عن طريق حيازة الرأسمال الديني واحتكاره واستثماره في الصراع الديني، وتجاهل الواقع الديني للمجتمع ومؤسساته في محاولة لإنشاء مجتمع مغلق داخل المجتمع العام. وكانت تلك إحدى العقبات الكبرى التي وقفت في وجه التطور، وقد هزت تلك الأفكار المسيسة هياكل المجتمع، وأورثت تناقضات والتواءات حادة، وأرهقت الدولة والمجتمع وتركت آثارًا سلبية أدت إلى اضراب المعايير الاجتماعية وتنشيطها في اتجاه الاختلال وعدم التوازن. وهنا يقف بنا السؤال: كيف تحول التدين الفطري الصحيح إلى أيديولوجيا في يد فريق واحد يقدم فكرته بوصفها الرواية الوحيدة للتدين. كيف أمكن تحول دين توحيدي جامع إلى مشروع شخصاني سياسي، لقد كان هنالك خلل فادح وخطير. واليوم بفضل رؤية 2030 نعود إلى طبيعتنا الحقيقية كمجتمع مسالم منفتح تسوده روح الإخاء والفطرة النقية، ويقوم على روح التسامح والتعايش والتآلف والانسجام كمفهوم مبدئي وقيمة أخلاقية ورؤية وطنية. فقد كانت رؤية 2030 نقطة تاريخية مفصلية وعنصرًا مهمًا من عناصر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والفكري، تستند على جملة من الثوابت الدينية والوطنية والفكرية، وهذا بلا شك يبرهن على مدى انسجام الرؤية مع مجريات الحياة الحقيقية وتحولها إلى واقع جديد. إنها العزيمة القوية والإرادة الخلاقة التي وضعتنا على الطريق الصحيح لنبدأ حياتنا من جديد ونستعيد الحياة بفهم جديد لكي نبقى في حالة ارتقاء دائم. حقًا لقد نجحنا في بناء رؤية جديدة متماسكة لا تقيم تعارضًا بين التراث والمعاصرة، ودون محاولة الإخلال بثوابت الشخصية السعودية، لقد تم تغليب المصلحة العليا على المصالح الضيقة، ونجحت تجارب التحديث بصورة تدريجية، وأحدثت تغييرًا إيجابيًا في حياتنا. Your browser does not support the video tag.