تتنامى أهمية القوة الناعمة، ويبرز حجم تأثيرها الطاغي بشكل مطرد نتيجة المتغيرات البراغماتية السياسية، وتبني الدول العظمى لمثل هذا النوع من القوى دون حاجة لاستخدام القوة الخشنة "العسكرية"،التي يصعب استخدامها في كل الأحيان حتى وإن توافرت مقوماتها. كما أن التشكلات السياسية المؤطرة دعت لتكريس مبدأ الإقناع التدرجي والتأثير الممتد على أي طرف ورأي عالمي أو إقليمي اُعتبر هدفاً للتأثير والتغيير. هذا النوع من القوة شكل بعداً أساسياً في سياسة أي دولة ذات تأثير وحضور عالمي فكان فهم الواقع، واستيعاب التحولات، واحتواء أدوات النفوذ والسطوة عاملاً معتبراً يسهم في توجيه السياسات الخارجية أيديولوجياً، واستراتيجياً. في وقتنا الحاضر صُنعت مساحات للحرب الناعمة باتت تضرب بشدة في استمالة واجتذاب الدول لاتباع سياسات معينة، فتضمنت تلك المساحات خيارات مثيرة، وأسلحة مطيرة، وفرصاً خطيرة للتأثير على أي دولة بسهولة، أو تكوين وتشويه صورتها عند طرف آخر. قواعد الحرب تُلعب من منصات افتراضية تلتهم كل الواقع الحقيقي بسهولة.. وتُشعل بأساليب ناعمة تتخلل بيننا، وتستخدم طرائق ظاهرها بارد وباطنها ساخن. تستخدم المقومات الثقافية والحضارية في التأثير على الآخرين دون حاجة إلى استخدام القوة الصلبة - العسكرية، التي ليس من اليسير استخدامها في كل الأحيان رغم توافر مقوماتها. المملكة اليوم هي قوة سياسية وعسكرية واقتصادية كبرى وتلك قوى شديدة التأثير، وصعبة التعاطي.. لكن لدينا المقومات الناعمة التي تمكننا من التأثير السلس على الآخرين، وتشكيل أولوياته بتماهٍ وتناغم إقناعي جاذب.. لذا يجب أن ننظر إليها باعتبار كبير، وجدية نشيطة. هذه القوى المتعددة أضعها في سياقات الدبلوماسية والخطاب العام، وكذلك مجالات الإعلام، والسياحة، والثقافة، والرياضة، والترفيه من خلالها كلها نستطيع الوصول إلى الآخر عبر حراك ناعم يكتنف تأثير قوي. المهم نقدر على توظيف إمكاناتنا الدبلوماسية أولاً، ثم أدواتنا المبتكرة في نطاق تأثيرنا الذي يتوجب علينا يقينا معرفته وتحديده.. بعدها نحتوي مصادر هذه القوة الناعمة وتأثيراتها التي من خلالها ندير مصالحنا وتحركاتنا. مؤكد أن الإعلام هو متغير ناعم مهم في بناء وتسويق التأثير الإقناعي وتكوين صور مرغوبة عنّا، أو تحسين غير المرغوب.. كما أن السياحة منفذ مهم يمكن من خلال برامجه المنظمة والمبرمجة تحقيق تأثير في جوانب مطلوبة.. ومجال الثقافة مجال خصب يعد وسيطاً لنقل ملامح بلادنا الحضارية بأسلوب إقناعي ناعم يؤثر على ميول وعاطفة الآخر. وفي الرياضة خيارات مهمة تسهم في إشهار رسائل ومضامين موجهة لجمهور مخصوص لغته رياضية بحتة.. وفي الترفيه من خلال فعالياته ونشاطاته الكثيفة يمكن تمرير رؤى ورسائل مهمة تؤثر على المتلقي الذي يشارك في تلك الفعاليات. ويبقى القول: لا بد من تنظيم وطني يصنع محتوى المناسب، ويوفر مساحة للتنسيق بين الجهات المناط بها للاستفادة من كافة المنتجات الوطنية في المجالات الستة.