حين يدلس البعض على الناس، ويسمي الأمور بغير مسمياتها، فلا عجب أن نرى ما يسوؤنا في المجتمع، ابتداءً بسوء الظن، ومروراً بالجدل العقيم والتراشق بالتهم، وانتهاءً بالقذف أو القتل. فالتطرف، بشقيه الإرهاب والانحلال، لا يمكن أن يكون وصفاً للوسطية والاعتدال؛ فليس الابتداع في الدين إسلاماً، ولا ترهيب الناس احتساباً، وليس داعية الانحلال والمتعرض لدين الله وثوابته وقيم المجتمع ومبادئه مثقفاً. والمضحك المبكي أن كلا من هؤلاء يصف نفسه بصاحب الحراك التطويري تلميعاً، ليصرف الناس عن مفهوم الحراك، الذي يتولد عن التحريض المبطن، وما ينتج عنه من الضغط الشعبي الذي يصبو إليه، وذلك لممارسة تطرفهم الفكري من دون رادع، بل إنهم يصفون كل من فضح فكرهم للعامة وكشف حقيقة إفسادهم للمجتمع؛ بالمتنمر لتخويف الناس منه. في بداية ما يسمى «الربيع العربي»، وما هو إلا خريف مخيف وصيف حارق، تصدر المشهد رويبضة الغلو والإرهاب؛ دعاة فتنوا الناس واسترهبوهم، فأهلكوا بفكرهم الحرث والنسل، وراح ضحيتهم شباب في عمر الزهور؛ وذلك لأنهم مارسوا سياسة إقصاء نصوص الشرع ومن نقلها من أهل العلم والفضل، ما تسبب في إرسال قطيعهم لإشغال الدولة وتضليل الناس عن الحق، وتمادوا حتى ظن المجتمع المعتدل الوسطي ذو الفطرة السوية أن لا رادع لهم، ولكن سياسة ولاة أمرنا، بما فيها من الحكمة والعدل والنفس الطويل، قطعت الطريق على مخططاتهم. وفي المقابل، نرى اليوم الطرف الآخر من الرويبضة؛ دعاة يمارسون من سبقهم، ولكن في الانحلال وزعزعة القيم والثوابت، فتصدروا المشهد، وأقصوا كل من أبطل مخططهم بذريعة التطرف، بل يطالبون بحمايتهم حتى لا يُهدر مخزونهم الأدبي كما يصفون، وما علموا أنهم ليسوا عن الغلاة ببعيد. ولقد غر هؤلاء ما يفعلون، ونسوا أن هذه الدولة المباركة تنبذ التطرف بشقيه، الإرهاب والانحلال، وسيأتي اليوم الذي ينالون فيه جزاءهم، شاءوا أم أبوا. وهذه رسالة لكل من تسول له نفسه أنه بمنأى عن عدالة هذه الدولة، ورسالة لكل من يتربص بها الدوائر، ويظن أن لا غالب له، فمهما طال صبرها، إلا أنها المنتصر في النهاية -بحول الله وقوته-. وهكذا حال المتطرفين في كل زمان، يتراشقون فيما بينهم حتى ينطحن العامة بين رحاهم الفكري المتطرف. ورغم ذلك، ومهما عانى المجتمع السعودي الأمرين منهم، يظل في النهاية مجتمعاً معتدلاً، يرفضهم ويلفظهم مهما تصدروا المشهد، واعتلوا المنصات، وتلونوا وتملقوا لساساتنا، ومهما كان بريقهم ساطعاً، فلن ينطلي مكرهم على المجتمع، وسيأتي اليوم الذي فيه يخفت بريقهم ويتلاشون. وسيكتب التاريخ أن أعظم القادة هم قادتنا، وخير الشعوب هو الشعب السعودي، ولا عزاء لكل خائن لئيم.