استعرضنا في الأجزاء الثّلاثة الماضية التّحديّات التي تواجه المنشآت العائليّة أثناء اتّخاذ قرار تعيين الرّئيس التّنفيذيّ وتمّ تفضيل خيار تعيين عضو من العائلة إذا كانت المجموعة العائليّة في المراحل المبكّرة من تطوير الحوكمة فيها، واستعرضنا حالات يتعذّر فيها تعيين رئيس تنفيذي من داخل المنشأة (سواء كان من أعضاء العائلة أم من غيرهم) ممّا يقودونا إلى مناقشة معايير اختيار الرّئيس التّنفيذيّ الّذي يقود المنشأة العائليّة وهي في تلك الحالة، والسّؤال المطروح والحالة هذه هل معايير اختيار الرّئيس التّنفيذيّ لمنشأة عائليّة تختلف عن معايير الاختيار لمنشأة غير عائليّة؟ ولماذا؟ حين تكون المنشأة العائليّة في المراحل المبكرّة من تطبيق ممارسات الحوكمة وتستقطب رئيسا تنفيذيّا لم يسبق له قيادة مجموعات عائليّة فإنّه غالبا سيجد صعوبة في إحداث التّغيير المطلوب، فالرّئيس التّنفيذيّ الجديد بالإضافة إلى مهامّ الرّئيس التّنفيذيّ الاعتياديّة مطلوب منه العمل مع مجلس إدارته على تطوير الحوكمة ورفع مستوى تطبيقها. لذلك تنصح المجموعة العائليّة البحث عن مرشّحين لديهم خبرة سابقة في العمل في مجموعات عائليّة وكانت له إسهامات في رفع مستوى تطبيق الحوكمة أثناء عملهم فيها، حيث إن استقطاب مرشّح ليس لديه خبرة أو رؤية في طريقة رفع مستوى تطبيق الحوكمة فإنّه غالبا إمّا سيتصادم مع الواقع أو يتماشى معه وفي ذلك إشكال في كلتا الحالتين، ففي حال الصّدام المستمرّ سيكسب العداوات ويخسر تعاون الفريق والدّعم من أفراد العائلة؛ وفي حال التّماشي والرّضوخ للوضع القائم ستختلّ منظومة المحاسبة وسيؤثّر سلبا على تحقيق أهداف خطّة العمل المطلوب منه كرئيس تنفيذيّ إعدادها وتنفيذها. إنّ الاختيار الأمثل إذا في أن يكون المرشّح ممّن سبق أن تولّى مهامّ قياديّة في منشأة عائليّة (أو أكثر) ولديه سجلّ منجزات مزدوج في رفع الأداء المالي للمنشأة من جهة؛ وفي تحسين مستوى الحوكمة فيها أيضا، هذه الخبرة المشار إليها تمكّن المرشّح من أن يكون متهيّئا للتّعامل مع تحديّات انخفاض مستوى تطبيق الحوكمة ومستعدّا لمعالجتها عن طريق الأساليب والمهارات التي اكتسبها وطوّرها خلال خبرته السّابقة. هذا المرشّح المثالي قيادي يجمع بين الحزم واللّين ولديه الحصافة والتّركيز والتّشخيص المناسب للحالة التي تستدعي الاختيار المناسب في التّعاطي معها فالصّلابة الدّائمة تعرّضه «للكسر» واللّيونة الدّائمة ستقوده «للعصر» وقد وصف ذلك المثل العربي الشّهير «لا تكن صلبا فتكسر؛ ولا ليّنا فتعصر». هل هذا يعني أنّ الرّئيس التّنفيذيّ الّذي جلّ خبرته في منشآت مستوى الحوكمة فيها مرتفع أو لم يسبق له العمل في مجموعة عائليّة سيفشل حتما في قيادة منشأة عائليّة مستوى الحوكمة فيها منخفض؟ ليس بالضّرورة ولكنّ هذا يتوقّف على عاملين رئيسن، العامل الأوّل الصّفات القياديّة للمرشّح؛ فقد يمتلك من المقدرات الشّخصيّة والصّفات القياديّة الفطريّة أو المكتسبة ما يساعده على النّجاح في مهمّته ولو لم يكن لديه خبرة سابقة في الشّركات العائليّة، لذلك ممّا يفيد أثناء المفاضلة والاختيار أن يطلب من المرشّح أداء نماذج من اختبارات القيادة التي تقدّمها المراكز المتخصّصة التي تكشف سلوك المرشّح المتوقّع ونمط شخصيّته في العمل وتقيس احتماليّة نجاحه في أداء مهامّه في المنشأة. أمّا العامل الثّاني فهو كفاءة مجلس إدارة المنشأة العائليّة؛ فإذا نجحت العائلة في تسريع وتيرة حصر التّعامل مع المنشأة من قبل الشّركاء (أو المساهمين) على قناة مجلس الإدارة الذي قد سبق تشكيله وتمكينه (ويضم على الأقلّ عضو واحد مستقلّ) وقدّم المجلس الدّعم الكافي للرّئيس التّنفيذيّ فإنّ ذلك ومن دون شكّ سيزيد من فرصة نجاح الرّئيس التّنفيذيّ حتّى لو لم يكن لديه خبرة مسبقة في العمل في منشأة عائليّة.