أستفتح معكم معشر القّراء الكرام سلسلة من المقالات تدور حول المجموعات العائليّة حرصت أن تتجاوز التّنظير والمفاهيم العامّة التي تكرّر طرحها. ففي هذه السّلسلة سنركّز على مناقشة أمور تنفيذية تساعد في الانتقال من التّنظير إلى التّطبيق مستعينا بعد الله بتجربة عمليّة تزيد عن خمسة عشر سنة من الخبرة والممارسة والدّراسة في المنشآت العائليّة متأمّلا أن تسهم في تطوير المنشآت العائليّة وزيادة إسهامها في الاقتصاد الوطني. من الأولى في تولّي منصب الرّئيس التّنفيذيّ؟ فضّلت البدء بهذا الموضوع لكثرة طرح هذا السّؤال أثناء أو بعد اللّقاءات وورش العمل الخاصّة بالمجموعات العائليّة وتطبيق الحوكمة فيها. حيث أنّ المثير للاهتمام أنّ الانطباع السّائد بأنّ تعيين رئيس تنفيذيّ من خارج العائلة دوما أفضل للمنشأة وأنّ تطبيق الحوكمة سيكون فعّالا؛ وبالمقابل فإنّ هناك فريقا من ذوي الخبرة والاختصاص لايرى حرجا في تعيين الرّئيس التّنفيذيّ من داخل العائلة وأنّ تطبيق الحوكمة لايتعارض مع ذلك. ويعزّز هذه الرّأي أنّه ومن خلال مراجعة الأداء للشّركات المدرجة المتحوّلة من مجموعات عائليّة ولاتزال العائلة تسيطر على معظم نسبة التملّك فيها نجد أنّ رؤساءها التّنفيذيّين من داخل العائلة في بعضها ومن خارج العائلة في بعضها الآخر. إنّ هذه الملاحظ صحيحة فعند مراجعة الأداء المالي لتلك الشّركات المدرجة (العائليّة الأصل) نلحظ التّفاوت في الأداء بينها لذلك لايمكن استنتاج قاعدة ثابتة تربط أداء الشّركات بمدى انتساب الرّئيس التّنفيذيّ للعائلة من عدمه. حيث أنّ بعض الشّركات متميّزة الأداء رؤساؤها التّنفيذيّون من داخل العائلة وبعض الشّركات متدنيّة الأداء رؤساؤها التّنفيذيّون من خارج العائلة، والعكس بالعكس. تقودنا هذه النّتيجة للسّؤال الأهمّ: لماذا نجح بعض الرّؤساء التّنفيذيّين في شركات عائليّة وأخفق آخرون؟ وماهي العوامل التي تساعد الرّئيس التّنفيذيّ للنّجاح في المجموعات العائليّة؟ إنّ التعرّف إلى هذه العوامل وتعديل مايلزم في المنشأة هو المطلب المهمّ بحيث يتمّ تهيئة المنشأة للرّئيس التّنفيذيّ ليقدّم الخطط التّنفيذية المناسبة للاعتماد ثمّ التّنفيذ. وظيفة الرّئيس التّنفيذيّ باختصار قيادة المنشأة بالكامل لتحقيق الأهداف التّطويريّة المعتمدة؛ وهو وحده يتحمّل كامل المسؤوليّة عن أيّ انحراف في الأداء؛ ولتحقيق ذلك فإنّ أهمّ حقوقه تطبيق نظام حوكمة قويّ وفعّال يعتمد عليه في العمل. بناء على ذلك نعيد صياغة سؤالنا الرّئيس ليكون بالشّكل التّالي (إذا اتّفقنا على أهميّة تهيئة المنشأة وإعداد نظام حوكمة مناسب قبل تعيين الرّئيس التّنفيذي فهل الأفضل أن يكون الرّئيس التّنفيذيّ الّذي يعيّن بعد ذلك من داخل العائلة أم من خارجها؟) من مميّزات تعيين رئيس تنفيذي من خارج العائلة أنّ في ذلك رسالة قويّة من العائلة أنّها جادّة في رفع مستوى تطبيق الحوكمة؛ لكنّ تعيين رئيس تنفيذي جديد من خارج العائلة ونقل الصّلاحيّات إليه يمثّل تحدّ كبير من جانب إدارة التّغيير فالمنشأة التي اعتاد منسوبوهها من الموظّفين والمورّدين والعملاء على التّعامل المباشر مع أعضاء العائلة والملّاك فيها ربّما يجدون بعض الصّعوبة في التّعامل مع هذا التغيير الجديد. وعلى الجانب الآخر؛ إذا كان الرّئيس التّنفيذيّ من داخل العائلة ربّما تستمرّ ثقافة التّعامل مع الملّاك مباشرة عن طريق تغليب جانب انتماء الرّئيس التّنفيذيّ للعائلة على كونه رئيسا تنفيذيّا الأمر الّذي لايرتقي فيه مستوى الحوكمة في المنشأة. في كلتا الحالتين مدار النّجاح في العمل يعتمد على أداء الرّئيس التّنفيذيّ نفسه والمقوّمات التي يمتلكها وعلى مهارته في توظيف طبيعة علاقته مع العائلة في تحقيق مصالح الحوكمة. فإذا كان الرّئيس التّنفيذيّ عضوا من خارج العائلة فلديه ميزة بأن يسخّر خبرته السّابقة ومعرفته الجديدة بالمنشأة والعائلة في تسويق فصل جديد من نجاح المجموعة يتمثّل في تعيينه – وهو من خارج العائلة – في أعلى منصب تنفيذيّ. وفي حال كون الرّئيس التّنفيذيّ من أعضاء العائلة لديه ميزة أيضا في إدارة المواقف عن طريق تبادل الشّخصيّة التي يتعامل بها فتارة يلبس قبّعة المالك وفي الأخرى قبّعة الرّئيس التّنفيذيّ فإذا أتقن الفصل بين الدّورين كان من أهمّ عوامل نجاحه. هذا الفرق بين الخيارين في تعيين الرّئيس التّنفيذيّ يظلّ توصيفا مجملا ونستعرض في المقالات القادم بإذن الله نماذج من الخيارات التي تلجأ إليها وتفضّلها المجموعات العائليّة أثناء عمليّة الاختيار للرّئيس التّنفيذيّ بمزيد من الاستفاضة.