تناولنا في المقالات السّابقة موضوع تعيين رئيس تنفيذيّ للمنشأة العائليّة ووصلنا إلى توصية بأن يسبق ذلك تعيين مستشار للعائلة يعمل على تأسيس أو تفعيل لمجلس الإدارة وأجهزته وأدواته المساندة، إن هذه الخطوات مهمّة لأنّ المهام المشار إليها أساسيّة ومؤثّرة على سير عمل الرّئيس التّنفيذيّ من حيث مساندته من جهة ومن حيث الرّقابة على أدائه وتوجيهه من جهة أخرى. تقوم المنشآت العائلية عادة بالمفاضلة بين ثلاثة اختيارات في تعيينها للرئيس التنفيذي إما بأن ترشح أحد أعضاء العائلة أو أحد منتسبي المنشأة ممن أمضوا مدة كافية في المنشأة أو باستقطاب مرشح من خارج العائلة والمنشأة. إن تعيين عضو من العائلة في مهمة الرئيس التنفيذيّ خيار مريح للعائلة التي تتحفظ بطبيعة الحال في موضوع الصلاحيات -المالية منها خاصة- فتفضل منحها إلى أطراف قريبة جداً منها، لذلك فإن المنشأة حديثة العهد بتطبيق أسس الحوكمة وفصل الملكية عن الإدارة يمثل تعيين رئيسها التنفيذي من داخل العائلة انتقالاً متدرجاً مناسباً في رفع مستوى تطبيق الحوكمة بحيث تكون جاهزة لتعيين الرئيس التنفيذي من خارج العائلة مستقبلاً متى ما دعت الحاجة إلى ذلك. من مميزات هذا التوجه أنه في حال كون عضو العائلة غير مكتمل الجاهزية لتولي مهمة الرئيس التنفيذي فإن العائلة غالباً لديها الاستعداد لتحمل أخطائه وتصويبها والاستثمار في تدريبه وإرشاده وتأهيله، وفي هذه الحالة ينصح بأن يعمل للرئيس التنفيذي الجديد برنامج إرشاد وتدريب معد بعناية يفضل أن يشرف على تصميمه ومتابعة تنفيذه مستشار المنشأة المستقل الذي تحدثنا عنه في المقال السابق. مع منطقيّة تعيين الرئيس التنفيذي من داخل العائلة في المرحلة الأولى فإنه يتعذر ذلك أحياناً لأسباب كثيرة من أهمها عدم وجود عضو مؤهل قادر على القيام بمهمة الرئيس التنفيذي أو قد لا تتوفر للعضو المؤهل إن وجد الرغبة في تحمل مسؤوليات هذه المهمة، وعلى النقيض من ذلك قد يتوفر في العائلة من لديه الرغبة والتأهيل المناسبين لكن قد تستصعب العائلة اختياره للقيام بالمهمة غالباً لوجود أكثر من مرشح وتتحرج العائلة في المفاضلة بينهم ولتجنب الصدامات بين مرشحي العائلة الأمر الذي قد يمتد إلى الروابط الأسرية في العائلة. إذا تعذر تعيين الرئيس التنفيذي من داخل العائلة واضطرت لتعيين عضو من خارجها فإنه من الدارج أن تفضل المنشأة ترقية أحد موظفيها وترقيته لوظيفة الرئيس التنفيذي وتكون الأولوية لمن أمضوا في المنشأة مدة طويلة، لكن هذا التوجه مع منطقيته فإنه تحول دون نجاحه أسباب من أهمها أن غالبية منتسبي المنشآت العائلية أصحاب خبرة تنفيذية ولم يمارسوا أدواراً قياديةً مما يقدح في تأهيلهم للعمل في وظيفة الرئيس التنفيذي، ومن الأسباب أيضاً أنه ربما يتوفر من الموظفين من داخل المنشأة من هو قابل للتأهيل لكن المنشأة العائلية غالباً لا تطيب نفساً بأن تستثمر في برنامج تدريبي وإرشادي على رأس العمل لتأهيل المرشح ليكون الرئيس التنفيذي القادم، ومن الأسباب أيضاً أن ظروف المنشأة والتحديات المالية أو الإدارية التي تواجهها تحتاج إلى تدخل سريع ولا تحتمل المغامرة والانتظار حتى يتم تأهيل مرشح من داخل المنشأة لقيادتها كرئيس تنفيذي. إن اختيار رئيس تنفيذي لمنشأة عائلية من خارجها يتطلب البحث عن مرشحين لديهم تأهيل وصفات قيادية خاصة تمكنهم من تجاوز عقبة انخفاض مستوى تطبيق الحوكمة والعمل على رفع مستوى تطبيقها بالتوازي مع تحقيق واجبات الرئيس التنفيذي الأخرى.