جلس دوجلاس ماكريجور في منزله في ليلة شتاء قارس، أمام مدفأة نار متوهجة. لحظات التجلي هذه لعالم النفس الإداري أخرجت لنا نظريته الرائدة في علم السلوك الإداري (نظرية المدفأة المتوهجة). فلسفة هذه النظرية تتمحور حول ثلاث ركائز أساسية، وهي أولاً الحزم والسرعة، وثانياً عدم الشخصنة، وثالثاً عدم التباين. يدور المحور الأول حول أن كل من يقترب من المدفأة سيحس بحرارتها، وينعم بدفئها، ولكن إذا مدّ يده إليها فإنها ستحرقه بشكل سريع وحازم، وسيبقى الحرق على قدر الوقت الذي بقيت فيه يداه داخل المدفأة، وبذلك لن يسعه من الأمر إلا التسليم والوقوف موقف الحياد منه. وأما المحور الثاني فإن المدفأة لا تستطيع أن تميز بين كبير وصغير، ولا نشيط وكسول، ولا تعرف الذكر من الأنثى، وأن كل من يقترب منها فإنه سيحترق بلا شك، إذ إنها لا تستطيع التمييز بين الأشخاص، ولا تعرف الفروق بين الأفراد مهما كانت، سواء كانت فروقاً اجتماعية أو طبقية. ثالث هذه المحاور يدور حول عدم التباين، بحيث إنه في كل مرة يعود هذا الشخص إلى مدّ يده إلى المدفأة، فإنها ستعود مرة أخرى إلى حرقها مجدداً، وكل ما عاد عادت. ماذا يمكننا أن نستنتج من هذه النظرية، يمكننا أن نستنتج أن الأنظمة الإدارية المتنوعة في الدولة هي بمنزلة مدافئ تتوهج بشكل دائم. تضيء بشكل جيد، وتبعث الدفء في المكان، إلا أن من يمسها بيده ليخترق نظامها، فإن من الطبيعي أن تحرقه بشكل سريع وواضح، مهما كانت أوضاعه ومكانته ووظائفه؛ إذ يجب عليه ألا يمد يديه داخل هذه المدفأة، وإن عاد ومدّ يده بشكل متكرر، فإنه لا بد من حرقها مرة أخرى. قد يختلف الحرق من شخص لآخر بحسب المدفأة، وبحسب الوقت الذي أمضته يده بداخلها، إلا أن الحرق سيكون قوياً ومؤثراً وسيراه الجميع عليه. يمكنك العودة الآن إلى قراءة قضية جمال خاشقجي من خلال منظور هذه المدفأة المتوهجة، وسترى القضية من زاوية أخرى عظيمة لهذا البلد العظيم.