كالعِيسِ في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ مليت جمر انتظارك واستحيت أسألك واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت اجيك مهما بلغ الحب فإنّ البعد الطويل عن المحبوبة، وعدم رؤيتها مطلقاً، يجعل الحب يخفت بالتدريج، وناره المشتعلة تخبو مع الزمن، كأن كل شهر من الانقطاع قطرة ماء تراق على نار الوجد والشوق حتى تخمد.. الزمن الطويل من الانقطاع عن رؤية الحبيب بمنزلة التطهير المتواصل لجرح الحب الغائر، حتى لا يبقى فيه إلا مجرد ندبة أو أثر.. المشكلة حين تكون الحبيبة قريبة من الحبيب! يراها كل يوم! يتحلّى من محاسنها التي تتجدّد! يراها رائحة غادية في أصبى صباها وأبهى بهاها، وهو لا يستطيع الزواج منها! هي ترفض أو أهلها يرفضون! وربما رفضت وأرادت أن يراها لتعرف أن هناك من يهيم بها هياماً، ويُغرم بها غراماً! إنّ كيدهنّ عظيم! لهذا تشتعل نيران الحب في قلب العاشق! وتلتهب مشاعره! وتضطرب عواطفه! وتضطرم مواجده! وتتلهف نفسه على ما لا يستطيع! عذاب! عذابٌ يتطوّر ويتكرّر! لهذا أُمرنا بغض البصر، ولهذا وجب على العاقل حين يدرك يقيناً ألا سبيل للزواج من المحبوبة إن كان رجلاً، ألا سبيل إلى الزواج من المحبوب إن كانت العاشقة امرأة، يجب الصد وعدم النظر والبعد، والركوب على فلك اليأس للإبحار إلى آخر مدى البعد! والزواج ممن يشبه المحبوبة قدر المستطاع! أمّا الاستسلام لحرائق الحب، والاستلذاذ المؤقت برؤية المحبوب، وتأمل محاسنه، وتخيُّل امتلاكه، فهو استلذاذ بسطوة المحبوب، وتنمية نرجسيته، وتقوية لإعجاب المحبوب بنفسه، وإصرار على افتتان العاشق به، وسروره بعذابه، وهذا لا يرضاه حرّ، بل تأباه الكرامة، ويرفضه العقل.. وليعلم المحب المحروم أنه لو تزوج ممن شغفه حُبّا لأفاق من حبه بعد شهور، وعجب من قلبه كيف كان أسيراً لهذه المحبوبة حين كانت بعيدة المنال، وها هي ذي بعد الزواج وزوال الحرمان لا تأخذ القلب ولا تأسر اللب ولا تثير العين! فما الحب إلا رجل وامرأة وحرمان! إذا زال الحرمان وزاد الوصال ذهب الحب في خبر كان! ما ملكته اليد تزهد فيه العين! ومع ذلك أبدى كثير من الشعراء مواجعهم من ألم الحبيب القريب، الذي ليس له وصول مع قربه، وباحوا بمواجدهم، وصوروا ألواناً من معاناتهم، نذكر منها بعض ما يرد على الخاطر! اشوفك كل يوم وأروح وأقول نظره تردَّ الرَّوح أعيش فيها عشان بكره عشان ليلي الِّلي كله جروح صحيح النَّظره ما تِكفي من الآلام ما تِشفي ولكن عذرنا الحاضر نراعي الوقت والخاطر وما دام النَّظر مسموح أشوفك كل يوم وأروح عسى النَّظره تردَّ الرَّوح توصَّيني على الكتمان وتبغى حبَّنا ما يبان.. وتنساني تقول لي ودَّنا صافي وتحسب حبَّنا خافي ترى راعي الهوى مفضوح نخاف من أيه والدَّنيا.. تحاسبنا على الثانيه بتاخذ مِنَّنا الأشواق.. وتعطينا حياه ثانيه يا صاحب المعنى.. إن كنت تسمعنا لا الوقت يخدعنا.. نرجع ونِتعنَّى (إبراهيم خفاجي) ويقول أحد الشعراء: وأمرّ ما لقيتُ من ألم الهوى قرب الحبيب وما إليه وصول كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول أيا بدرا كم سهرت عليك نواظرُ أيا غصنا كم ناحت عليك بلابل البدر يكمل كل شهر مرة وهلال وجهك كل يوم كامل (نسب لأحمد شوقي) أنا أرضى فيغضب قاتلي فتعجبوا يرضى القتيل وليس يرضى القاتل! قتل النفوس محرّم لكنه حِلٌ إذا كان الحبيب القاتلُ ياقاتلي بالهجر كيف قتلتني قل لي بربك ما الذي أنا فاعل صح الذي بيني و بينك في الهوى يرضى القتيل و ليس يرضى القاتل) ويقول مساعد الرشيدي: شوقي مسافة وهمساتك مدار وفلك ان ماظميتك غلى..ياعلني ماارتويك إية اعرفك واعرف اني من غلاك اجهلك مرات اضمّك واخاف اني مشبة عليك مرات اشوفك بنفس الوقت واتخيلك وانشد كفوفي عن اخر سالفة من يديك أعنّ لك لو تصّب الموت...واتهيّلك واجوع لك وآتمنى خنجرك واشتهيك ماقلت لك عمر سيف العشق مايقتلك ماتشوفني حي قدامك وانا اموت فيك اشتقت لك قبل اجيك وجيت واشتقت لك البارحة طول ليلي بين هذي..وذيك مليت جمر انتظارك واستحيت أسألك واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت اجيك اثرك بقلبي من البارح وانا استعجلك واثري نسيتك من الفرحة وقمت احتريك مساعد الرشيدي إبراهيم خفاجي