علي محمد الحسون ذات يوم – مضى – ذهبت إليها لأول مرة كانت صور ذلك الشاعر عنها في مخيلتي واضحة ومعالمها راسخة .. لأعود إلى تاريخها القديم فمنذ المخلاف السليماني – والتي وصفها الهمداني بانها قرية من قرى مخلاف حكم .. وقال يا قوت الحموي انها قرية من مخلاف عشر.. ذهب بي مخيالي بعيداً ليأتيني الصوت منتشياً من مذياع راديو السيارة: كان ابراهيم الخفاجي ذلك الرسام شديد الدقة في كاميرته التصويرية للمشاعر والاشياء اسمعه وهو يقول في لحظة انتشاء نفسي: مثل صبيا في الغواني ما تشوف ناشرات الفل والنقش اليماني في الكفوف والعيون الدعج من تحت المقالم فيها خوف خوف يسبي الناظرين يبعث الحب الدفين أه أه يامعين بهذه الدقة في الوصف يأخذنا شاعرنا .. وكأنه خشى الملام من الاخرين على ما ذهب اليه من وصف فقال سريعا: اعذروني في الهوى ياهل الملام والسبب نظره وربي قد بلاني بالسهام لو حصل مره ومحبوبي دعاني باهتمام انسى روحي والانين والهوى عندي مكين أه أه يامعين هكذا يعترف بان الحب عنده مكين فلا يهمه "لوم اللائمين" وحتى الوقوف امام ذلك اللوم فهو من سنين وهو يتمنى لقاءهم وامام هذه الحالة لم يستطع الصمت او ان يداري ما لديه من مشاعر. من سنين والعين تتمنى لقاكم من سنين والخيال يمظي ويستني رضاكم ياضنين ماكفاكم ياحبايب ماكفاكم ذا الحنين صرت انا مضنى ضعين في غرامي مستكين أه أه يامعين بعد ان يعترف بما أحسه وعاشه تراه يعطي الجميع تلك المشاعر فيقول : كم على جيزان في خضر الروابي والسفوح انشد السلوان في حلو التصابي والسروح اسأل الركبان عن صبيا ومالي للنزوح غير حب الساكنين هوه في قلبي مكين أه أه يامعين كأنه رغم هذا الذوبان الذي كان يعيشه حرم من مشاهدته فاخذ يمر عليه من بعيد كأنه يرضي نفسه من هذا الحرمان مكتفياً بالرؤية من بعيد فراح يقول في قناعة تامة: اشوفك كل يوم وأروح وأقول نظره تردَّ الرَّوح أعيش فيها عشان بكرا عشان ليلي الِّلي كله جروح لكنه سرعان ما يعترف بان هذه الشوفة لا تكفي في ملء شوقه اليه وان تلك النظرة الخاطفة لا تعطيه الشبع من الرؤيا. صحيح النَّظره ما تِكفي من الآلام ما تِشفي ولكن عذرنا الحاضر نراعي الوقت والخاطر وما دام النَّظر مسموح أشوفك كل يوم وأروح عسى النَّظره تردَّ الرَّوح هكذا شاعرنا الخفاجي اقنع نفسه بالنظرة طالما هناك عذر فهو يتماشى مع هذا العذر ولكنه في لفتة غارقة في الاستغراب طالما الشوفة هي المسموح بها في غير وضوح لماذا الاصرار على الكتمان فهو موجود وهذا الكتمان ليس له داعي لان صاحب الهوى مفضوح. توصَّيني على الكتمان وتبغى حبَّنا ما يبان .. وتنساني تقول لي ودَّنا صافي وتحسب حبَّنا خافي ترى راعي الهوى مفضوح ولكنه يقرر في مصارحته .. فهو يعرف بأن راعي الهوى مفضوح فما علينا من التصريح وممن تخاف هكذا يقول: نخاف من ايه والدَّنيا .. تحاسبنا على الثانيه بتاخذ مِنَّنا الأشواق .. وتعطينا حياه ثانيه يا صاحب المعنى .. إن كنت تسمعنا لا الوقت يخدعنا .. نرجع ونِتعنَّى يذهب بنا بعيداً في صدق مشاعره وتعدد محاولاته في اثبات تلك المشاعر الفياضة والتي بدت طافحة على كل ما لديه من احساس اسمعه وهو يعبر عن ذلك. عجزت بلساني أوصف لك تصدق ولا أحلف لك وأنت كريم من أصلك نعيم الحب في وصلك وهو أغلى ما عندي وشوف قلبي على يدي أجيب لك قلب ثاني منين وتبغى زيادة في حبك نعم انه يسأل هل تريد زيادة في حبك فهو على استعداد تام ان يقدم له كل ما يحرضه على تصديقه معترفاً بذلك وكلمة حب قليلة عليك أقلك أنت حب القلب وأنت قلوبنا في أيديك قليلة يقولها من حب تصورها بهمساتك وتسعدها بلفتاتك تصدق وإلا احلف لك!؟ ومع هذا أتاه الخوف من من يحب فيما يقوله الناس عن حبهما فهو يخشى الهمس .. لكن شاعرنا المندفع في حبه : يسارع الى تطمينه مالي ومال الناس ومالك ومال الناس لما حبيتك ما أخذت رأي الناس ويزيد في تطمينه اكثر قائلا له في لحظة صدق لا تفارقه طوال الوقت خلينا في الحاضر وانسى اللي كان لا تشغل الخاطر نحسب لرأي الناس لا قالوا لا عادوا لا نقصوا وزادوا لما حبيتك ما خذت رأي الناس كأنه ارتاح بعد هذا الصراع في الاقناع لمن أحب وقد هدأت المخاوف وزالت الهواجس عندما وصف تلك الحالة خليك كده أحسن يازهرة السوسن ترك الأسى أحسن وخلينا في الحاضر نحسب لرأي الناس لا قالوا لا عادوا لا نقصوا وزادوا لما حبيتك ما خذت رأي الناس تأخذه عواطفه بعيداً .. وهو جالس على تلك الصخرة وامواج المحيط تتلاطم امامه فاستغرقه المنظر وراح يغرس نظراته في الافق البعيد عندما قطع عليه استرساله ذلك الذي مر مر بي مر بي.. مايس الاعطاف قدو لولبي ناعم الاطراف قالّي ويش تبي.. صحت مما حل بي يا صلاتي على النبي يا صلاتي على النبي.. لم يكتف بذلك الذي فاض من داخله بذلك الاحساس الذي جعله يقفز من مكانه مصلياً على النبي .. مبهوراً بهذا الجمال الذي لم ير من قبل مثله .. ولا خطر على باله من قبل ما رأت عيني ولا في بالي خطر .. مثل هذا الحسن في شتى الصور .. روعة الاتقان في خلق البشر .. صحت مما حل بي يا صلاتي على النبي يا صلاتي على النبي وكأنه ارتاح لهذا الذي رأى فقال سريعا يا حبيبي انستنا .. ربي تمم لنا انسنا بالسعادة والهنا .. لما شرفتوا هنا يا حبيبي .. انستنا فراح يعلن عن كل هذا الحال الذي كان يعيش فيه قبل ان يأتي من يحب اليه فراح يصرح في صدق والله ما اخبي عليكم .. اني عايش في جحيم الانتظار والفؤاد مشتاق اليكم .. و الثواني والدقايق تزيدوا نار بالسعادة والهنا .. لما شرفتوا هنا عندما يتأكد بان كل ما كان يشعر به من حرمان وانتظار وان من يحب قد أتى اليه .. قال في صوت صارخ الحمد لله على السلامة الف مرة انت سيد اهل الوسامة والمسرة يا عطوفاً في كلامك يبو سمرة يا رقيق الابتسامة في كل نظرة بالسعادة و الهنا .. لما شرفتوا هنا يا حبيبي .. انستنا .. انستنا لكنه على طريقة المحبين لا تتوقف مشاعره فهو في لحظة له حالة من الفرح وتتبعها حالة من الحزن فلا يملك الا التعبير عن تلك اللحظات المتباينة .. اسمعه وهو يصرخ في ذلك الموقف الذي عاشه ياناعس الجفن أرحم جفني المقروح ويامايس القد صدك زاد قلبي جروح حبك شغل فكري وحسنك ملك أمري وأنت ما تدري أنك مليك الروح كل ذلك الذي سببه له ناعس الجفن دون ان يدري به . وانه لا يعلم بانه هو مليك الروح له ومع هذا راح يشرح له حاله قائلا: هويتك والهوى يضني .. وسحر عنيك جنني وصدك بالدلال يفني .. يا ريتك يوم ترحمني تجيني .. وتحييني .. تواصلني .. وتدنيني بنظرة عطف تحييني تنسي عيني كثر النوح.. انه يرجوه ان يتواصل معه في الحاح المحبين الذي لا يتطرقون بكل اسباب – الجفاء – او الصدود تعالى ياحبيب قلبي .. تعال أسعدني في حبي تعال قول أيه ذنبي .. كفايه هجر يا حبي غرامك زاد أفكاري .. وطيفك وحي أسراري ونجمك في الهوى ناري .. كوى قلبي وزاده جروح.. ومع هذا لم يفد معه شيء من كل التوضيحات وكل دلال المحبة فراح في أسى يقول لنا الله يا خالي من الشوق من الشوق أنا المولع انا المولع على ناري كيف بعد المودة والمحبة صرتوا تنسوني كان صادقا في وصفه لحاله .. فراح يستجدي نسيم الصباح الذي يعرف الدرب الى من حب لعله يقنعه بحالته التي كانت صعبة عليه وهو الصب المفضوح يا نسيم الصبا مع الصباح تعرف الدرب روح وبلغ عيني سيد الملاح حالة الصب وتلطف عساهم من الجفا هم يرحموني نعم ان حاله الذي جعله يتقلب على الجمر يحتاج الى نظرة عطف .. تجعله اكثر ارتياحاً .. قائلا: اتقلب على جمر الغضى بأتقلب واتذكر عهد مضى زمانه شاغل القلب يوم كان الهنا عبداً لنا لا تلوموني.. انه مهندس الكلمة الشاعرة المغناة الذي استطاع ان يخرج الاغنية من الوصف – الحجري – الى الدقة في وصف المشاعر دون اغفاله لتلك المواقع التي يتحدث فيها. انه شاعرنا الكبير الاستاذ ابراهيم خفاجي متعة الله بالصحة والعافية وان يعطينا المزيد من تلك المشاعر التي لا تنضب لديه.