مقابل الجيش ولا مقابل العيش، هذا المثل الشعبي يختصر الحكاية الطويلة، حكاية الحبيب البعيد القريب، فعاشقه عذابه شديد. ومع الفارق بين المعدة والقلب فإن المثل الشعبي السابق يعبر عن ذلك التعذيب، فالجائع الذي أمامه طعام شهي (كبسة طازجة ومفطح دسم) ولكنه ممنوع من تناوله، على ما هو فيه من جوع، فإن ألم الجوع سوف يزيد والأعصاب سوف (تبوز).. بل ربما ضربت (الفيوز)!.. وألم القلب أشد من ألم الجوع وأطول، والمعدة يسكت ألمها بأي طعام آخر.. أما ألم القلب فلا يشفيه الا الذي فيه.. الذي ملكه وملأه واستوطن فيه.. فما بالنا إذا كان هذا العاشق المسكين يرى حبيبه قريباً منه، ممنوعاً عنه؟ وأمر ما لاقيت من ألم الهوى قرب الحبيب وما إليه وصول كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول هو صادق! ولكن العاشق يكرم عن هذا التشبيه! ويبدو ان مهيار الديلمي مر بهذه التجربة المؤلمة، المثيرة لأعنف المشاعر.. يقول: اليس عجيباً ان بيتاً يضمني واياك لا نخلو ولا نتكلم ونقول: بلى.. عجيب ومؤلم! ويضيف واصفاً ما بينه وبين الحبيب ما يدل على شدة القرب والبعد معاً، وبالتالي شدة الشوق والوجد: إشارة أفواه وغمز حواجب وتكسير اجفان وكف مسلم يعني (شفه ولا تذقه)!! على رأي المثل الشعبي! ويقول مهيار نفسه: فلله ما اصفى وأكدر حبها وابعدها مني الغداة وأدناها وهذا البيت آهة قلب! ويقول الشاعر في حبيبه القريب البعيد: وليس لي فيه ما خلا نظر يشركني فيه كل إنسان ومع ذلك فلا يتألم الآخرون الذين يشاركون العاشق في مجرد رؤية الحبيب، لأنه هو يعشقه، يهيم به، يموت فيه، وبالتالي يظن ان كل من رأى محبوبته تألم أشد الألم، أو ان يكون الآخرون عميانا لم يروا ما رأى حفرته من الفتنة والروعة. لا قربوا مني ولا بعدوني ولا ميس منهم ولاني مورا والأحرى انه هو الأقرب للعمى؛ لأنه لا يرى غير محبوبته، كأنها الشمس وباقي النساء كواكب، وإذا طلعت الشمس لم يبق منهن كوكب. الحب أعمى! وفعلاً يصف عاشق آخر محبوبته بالشمس لا بالبهاء فهي أروع، ولكن بالقرب والبعد، في صورة معبرة أشعت في خياله المتألم: فقلت لأصحابي: هي الشمس ضؤوها قريب ولكن في تناولها بعد وكم أبدع الألم! ومن أشهر شعرنا الشعبي الذي فيه تعبير أليم عن مدى العذاب العميق من المعاناة مع الحبيب القريب البعيد قول الدجيما (دخيل الله الروقي) وقد مات عشقاً رحمه الله رحمة واسعة وهي من أشهر السامري في نجد: يا جر قلبي جر لدن الغصون وغصون سدير جرها السيل جرا على الذي مشيه تخط بهون والعصر من بين الفريقين مرا واهله من اول بالورق يورقوني على غدير تحته الما يقرا لا والله اللي بالهوى هو جروني هجر به الحيلات عيت تسرا لا مبعد عنهم ولا قربوني ولا ميس منهم ولاني مورا واكثر عذاب القلب يوم سنحوني بيح بصبري لو بغيت اتدرا لا ضاق صدري قمت اباري الطعون كني غرير بالدلوهه مضرا وقبلي عليه اشفق وتبكي عيوني والحال من ودا الحبيب تبرا يا عز تالي من تفرق شطوني يعزا لي ارمي بالسلب واتعرا ان مت في خد بعيد انقلوني على هدي الزمل مشه تدرا يا ليتهم بالحب ما ولعوني كان ابعدوا عني بخير وشرا ويا ليتهم في الدرب ما واجهوني ويا ليتهم مازادوا الحر حرا ويا ليتهم عن حاجتي سايلوني يوم اني اقعد عندهم واتحرا الخد برق في علو المزون تقول براق من الصيف سرا وقفت عنده شايحات عيوني كني غرير باللهاوي مضرا