العشق العنيف يصيب أصحابه بالضعف والمسكنة أمام الحبيب.ومع أن العربي -بشموخه المعروف - أكره مالديه الذل للمحبوبة ..فللحبيب أن يتدلل وعلى المحب أن يتذلل .. يقول أبو الطيب المتنبي : تذلّل لها واخضع على القُرب والنوى فما عاشقٌ من لايذلّ ويخضعُ ولآخر: قالوا عهدناك ذا عزّ فقلت لهم لا يعجب الناس من ذل المحبينا لا تنكروا ذلة العشاق إنهم مستعبدون برق الحب راضونا وقال أعرابي: اخضع وذل لمن تحب فليس في شرع الهوى أنفٌ يُشال ويُعقد وقال أبو فراس الحمداني: لقد ضلّ من تحوي هواه فريدةٌ وقد ذلّ من تقضي عليه كِعاب وسئلت أعرابية عن الهوى -الحب- فقالت: إن الهوى هو الهوَان نُقِّص اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا وإذا هويت فقد تعبِّدك الهوى فاخضع لإلفك كائناً من كانا ومن الشعر السهل السائر في وصف حالة العاشق وما يلقى من معاناة : فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حين مخافة فراقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً اليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاقي ومثله : قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون فى الحين وقريب منه قول الشاعر : مررت بقبر دارس وسط روضة عليه من النعمان سبع شقائق فقلت لمن ذا القبر؟ جاوبني الثرى تأدب فهذا القبر قبر مفارق فقلت رعاك الله يا ميت الجوى واسكنك الفردوس أعلى الشواهق مساكين أهل العشق حتى قبورهم عليها تراب الذل بين الخلائق فإن استطعت زرعت حولك روضة وأسقيتها من دمعي المتدافق وقصة الانسان مع الحب هي قصته مع الشوق الى الجمال .. فالمحب يرى محبوبه في منتهى الجمال , وإذ يصاب العاشق بالحرمان من محبوبه - الذي يراه الأجمل من كل الناس - فإنه يصاب بالظمأ إلى الجمال .. وهذا الظمأ يشبه الى حد كبير الظمأ إلى الماء .. غير أن ظمأ العشق يقتل ببطء .. يعذب العاشق يقول الدجميا -رحمه الله- وهو ممن قتلهم الحب : ياجر قلبي جر لدن الغصوني وغصون سدر جرها السيل جرى وأهله من أول بالورق يورقوني على غدير تحته الماء يقرى على الذي مشيه تخط بهوني والعصر من بين الفريقين مرى لا والله اللي بالهوى هوجروني هجر به الحيلات عيت تسرى لا مبعد عنهم و لا قربوني ولا عايف منهم ولاني مورى واكثر عذاب القلب يوم سنوحوني بيح بصبري لو بغيت اتدرى لا ضاق صدري قمت اباري الظعوني كني غرير بالدلوهة مضرى وقبلي عليه اشفق وتبكي عيوني والحال من ود الحبيب تبرى ان مت فى خدّ بعيد انقلوني على هدي الزمل مشيه تدرى ان مت في دافي حشاه ادفنوني فى مستكن الروح مهوب برى ياليتهم بالحب ما ولعوني كان ابعدوا عني بخير وشرى والا انهم يوم انهم ولعوني خلوني اقضي حاجتي واتدرى وياليتهم فى الدرب ما واجهوني وياليتهم ما زادوا الحر حرى وياليتهم عن حاجتي سايلوني يوم اني اقعد عندهم واتحرى وياليتهم من زادهم اطعموني انا على زاد اليتيم اتجرى الخد برق في علو المزوني تقول براق من الصيف سرى وقفت عنده شايحات عيوني كني غرير با للهاوي مضرى وفي قصص العرب ، وكثير من كتب الأدب القديمة ، خاصة (الأغاني) كثير من القصص والروايات التي يختلط فيها الواقع بالخيال، والاسطورة بالحقيقة، بحيث يصح أن يعتبر (مأثوراً شعبياً) ومنه ماورد مرويا عن (الاصمعي) الذي تُسند إليه الكثير من تلك الحكايات الشعبية .. قال: بينما كنت اسير فى البادية مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت أيا معشر العشاق بالله خبروا اذا حل عشق بالفتى ماذا يصنع فكتبت تحت هذا البيت:- يداري هواه ثم يكتم سره. ويخشع فى كل الامور ويخضع وحين عدت في اليوم التالي وجدت هذا البيت مكتوباً:- وكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطع فكتبت تحته:- اذا لم يجد صبراً لكتمان سره. .فليس له سوى الموت ينفع فعدت في اليوم التالى فوجدت شاباً ملقى تحت هذا الحجر ميتا ومكتوب تحته هذان البيتان:- سمعنا اطعنا ثم متنا .فبلغوا سلامي لكل من كان بالوصل يمنع هنيئاً لارباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرع وكان هذا الحجر فى الصحراء الموحشة وحيداً بعيداً عن الناس فعرفت ان هذ الفتى كان يحب ولكنه يخاف ان يصارح محبوبته وعندما صارحها نهرته فقتل نفسه فقال الاصمعي مساكين اهل العشق حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر ومن الشعر العذب الجميل في وصف ضعف العاشقين قول الأمير بدر بن عبدالمحسن: شعر موج .. وقمر خد .. دفا روح .. وطغى قد .. وراعي الهوى مسكين .. زهى الكحل .. في الحاجر الفتان وسرى الليل .. تو الفجر ما بان وراعي الهوى مسكين كما الشمس .. يجهر سنا نوره ما اقدر أناظر .. والعين مكسورة وراعي الهوى مسكين .. ثغر ورد .. وردة شكت ورده من دونها الشوق .. والرمح والقرده وراعي الهوى مسكين .. كان هذا العشق العارم -وأحياناً القاتل- يجوس صحراء العرب قديماً ، ويعيش بين القبائل ، وخاصة قبيلة (عذرة) التي نسب لها الحب العذري ، والتي منها مجنون ليلى -أشهر مساكين الحب على الاطلاق- وقيس بن ذريح، وجميل بثينة، وعروة بن حزام، والمجنون (قيس بن الملوح)، وتوبة بن حمير، ومن شعرائنا الشعبيين (الدجيما) و (ابن عمار) رحم الله الجميع .. أما في هذا الزمان فالعشق القاتل نادر فقد صار الحب وردة قريبة الذبول وشمعة تنطفئ بنفخة وشمساً سريعة الأفول ..