هل نحنُ نملك حرية التفكير؟! هل نستطيع أن نحلق في سمائه؟! أم نُحن فقط نُعيد تصورات من سبقونا؟! إن العقل البشري عقل متطور؛ فمع نمونا (البيولوجي) تتراكم في عقلنا المعرفة؛ لكن هل فراغنا العقلي يمتلئ بمعرفة حقيقية أم لا؟! تمتلئ مساحتنا المعرفية الخالية حين ولادتنا بتراكم معرفي يبنيه الآخرون، وليس لنا فيه من البناء شيء! والعقل البشري إذا لم يتتبع خطوات الحقيقة؛ فسيبقى رهينًا للظنون! ونحن أمام كم هائل من ثقافة الأمس تعزل فكرنا، وتجعله بمنأى عن قناعاته ورؤيته الخاصة، قابعًا في المألوف، متوجسًا من كل خطوة جديدة نخطوها بذاتنا، وقناعاتنا. يقول المفكر المصري عبد الوهاب المسيري: «نحن لا نعرف الشيء في حد ذاته، بل نعرفه في علاقته بشيء يشبهه، وآخر يختلف عليه». حقيقة نحن مكبلون في أغلال السابقين، وإذا بقينا بها ولم ننفك منها؛ فستبقى عقولنا مُجرد نسخ أخرى من عقول آبائنا، وأجدادنا، ولن تتغير فينا إلا صورنا، ولن نؤثر في واقعنا. وتخطي ثقافة الماضي السلبية ليس بالأمر الهين، ولا يأتي في غمضة عين؛ فنحنُ أمام تراكم ثقافي تحول إلى عادات ما أنزل الله بها من سلطان، تربينا على أنَّها من المسلمات، وأخذت موقعها في عقولنا على مدى سنوات، وأنتجت لنا تفكيرًا، نمطيًا، جاهزًا يُصدر الأحكام التي يقودها الجهل، هذه الأحكام بنت عوائق، وحواجز نمت فيها الخُرافة، تحول دون تقدمنا الفكري، وتجعلنا متأخرين عن ركب الأمم، متقوقعين في المألوف، معتمدين على صور ذهنية أفرزت لنا العنصرية، والطائفية، والتصنيف، والتعميم، والإقصاء، والانعزال، والكراهية للآخر. إن سطوة الفكر البالي، وسيطرة أطلال الماضي على الحاضر أمر يدعو للنهوض من مغبة التخلف، واللحاق بركب التقدم. لكن كيف نتجاوز حواجز التخلف؟ لن نتجاوز هذه الحواجز إلا بغربلة الموروث، وتنقيته من سلبياته، والانفتاح على العلم، والسعي الحثيث لنهضة علمية، وثقافية مبنية على الواقع لا الثقافة المسيطرة نقضي فيها على الجمود، ونفسح فيها المجال لعقولنا كي تبدع بعد أن نستفيد من تجارب الأمم التي سبقتنا في العلم، ما يعيننا على الاعتماد على أنفسنا، والنهوض من مغبة التخلف. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: «إن علينا أن نأخذ من الحضارة الغربية الأدوات التي تلزم في بناء حضارتنا؛ حتى يأتي يوم نستطيع فيه الاستغناء عنها بمنتجاتنا». ولا شك أن المؤسسة التعليمية حجر الزاوية في نهضة الأمم؛ فالتعليم مصنع العقول، ووعاء الثقافة؛ فإذا أوجدنا نظامًا تعليميًا لديه استراتيجية همّها الأول نهضة المجتمع، وهدفها الأسمى دكّ حصون التخلف، وتشييد مراكز متقدمة للبحث العلمي الذي هو منصة انطلاق العلماء، والمخترعين، والمبدعين في شتَّى المجالات؛ فسينتج عن ذلك عقل مُنتج للفكر، وباحث عن الحقيقة؛ لا عقل مُجرد وعاء للأفكار البالية. فلننهض، فلننهض، فماذا يُخيفنا؟! ونُحن نملك كل مقومات التقدم، وديننا دين العقل، والتفكر، وحضارتنا حضارة العلم، والتقدم. Your browser does not support the video tag.