ألم يرَ هؤلاء كيف أصبح حال المرأة السعودية، وما هي عليه من ثقافة وعلم وارتقاء مناصب حتى إنها أصبحت عالمة من علماء القرن الواحد والعشرين بأبحاثها وجهدها واعتزازها بذاتها.. اعتدنا منذ نعومة أظفارنا على أن المرأة شخص عظيم، وأنها من تنجب الرجال وهي أم القبائل. وهذا ليس مجرد رأي أو فكرة، وإنما هذا ما خطه لنا التاريخ ودونته المخطوطات العتيقة، بينما لا تزال هناك نظرة دونية لها عند البعض والبعض ليس بقليل! فهم أغلب القاعدة الشعبية في هذا المجتمع الذي أخذ في النهضة العظيمة والتي قادها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ومن قبلهما المغفور له بإذن الله الملك عبدالله طيب الله ثراه. فلماذا هذا العفن الدفين والمفهوم البائد، في جذور المجتمع وما الوسيلة لإيقاظ الوعي المتبتل في سبات عميق والتخلص منه؟!. منذ أيام طالعني (بوست) على (الفيس بوك) وهو مشاركة من أحد الأصدقاء المحترمين والموثوق بهم؛ بكلمات تنبئ عن جهل وعن تخلف لا يزالان يتسربان في ربوع بلادنا، وكأن لسان حاله يقول قول جاهلي قريش: (هذا ما وجدنا عليه آباءنا)! لا والله لم يكن أباؤنا على هكذا حال!.المشاركة تقول: (كنت هذه الليلة في عزاء صديق فقد أخته. وجلس بجواري شخص أعرفه.. سألني «وش جابك؟ أخبرته بأني أتيت معزياص مثله.. فقال: أنا مضطر للإسراع بالتعزية، لكي لا يراني أحد من الجماعة، فيقول أنني أتيت معزياً في امرأة.. فقام لأداء واجب العزاء في خطو يشبه الهرولة.. وتعجبت من هكذا انتقاص من المرأة حتى بعد موتها). «انتهى». ثم يقول صديقنا الكريم في هذا الصدد: (عرفت يقينا أن مجتمعنا مجتمع ذكوري بنمرة واستمارة، مختومين بختم العمدة). هذه شهادة أحد المواطنين الشرفاء والرافضين لانتقاص حق المرأة واحتقارها واعتبارها كائناً ناقصاً وتابعاً وفي بعض الأحيان يعتذر الرجل حينما يذكر اسم المرأة ويستبدل اسمها بنعتها (مكْلَف) لأن اسمها إذا ذكر سينتقص من مجلس الحاضرين.! اعتقدنا أنه هذا أمر قد ولى، في العهد السعودي الجديد، وأن ما تقدمه الدولة من دعم وارتقاء بالمرأة سيغير كل المفاهيم القديمة، إلا أنها لا تزال متجذرة في بعض العقول التي لا تسمع ولا ترى! ألم يرَ هؤلاء كيف أصبح حال المرأة السعودية، وما هي عليه من ثقافة وعلم وارتقاء مناصب حتى إنها أصبحت عالمة من علماء القرن الواحد والعشرين بأبحاثها وجهدها واعتزازها بذاتها، فلا يتسع هذا المقال لذكر هؤلاء السيدات الفضليات اللاتي وضعن في المصاف العالمي الأول. إلى متى وهذه العقول المتحجرة تسري في ثنيات المجتمع تحمل فكر (أبا جهل) وأعوانه من كفار قريش؟! إلى متى والأقلام تخط والصحائف تسود والنور والوعي ينتشر، فلا نجد إلا رؤوساً صخرية متحجرة بلهاء غمست في وحل الجهل ولم تفق منه بعد!. لم يكن ذلك بتاريخنا، ولم تكن تلك عاداتنا، فالرجل كان حينما يريد أن يمتدح فلا يخاطب إلا امرأة، كما ورد في كتاب الرحيق المختموم لكاتبه صفي الرحمن المباركفوري عن المرأة في قريش!. وفي بحث علمي أجريته مجدداً وجدت أن اسم القبيلة يعود لمرأة تناسلت منها جمع القبيلة مثل قبائل بني عاتقة والتي لنسب الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام نصيب منها (العواتق) وفي الماضي القريب رأينا وقرأنا تاريخ سمو الأميرة نورة رحمها الله وكيف كانت وقفتها مع أخيها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في تأسيس الدولة السعودية، حتى إنه كان يعتز بها دائماً بأنه أخو نورة ويفتخر بهذا اللقب. من أين أتت لنا هذه الانتكاسة المشينة في الفكر والمفهوم فيتداولها الرجال كنوع من شموخ الرجل وتفوقه. أنا لست (فيمينية أو جندرية) أو من هذا القبيل، إلا أنه تاريخ لا بد أن يصحح ومفهوم يجب أن يتغير، حتى لا يرانا العالم بعين واحدة ونحن لسنا كذلك!. في كتابي الأخير «الهوية العربية المكان والإنسان» كنت أتتبع تاريخ القبائل وتناسلها بهدف الوصول للشخصية العربية، وحينها قمت بمبحث كامل عن سيدات العرب وأنسابهن؛ مما هالني ذلك الشرف العظيم الذي حظيت به المرأة العربية من أصالة ونسب وشرف المصاهرة الذي عمل على شبكة عرضية بين أنساب القبائل عن طريق المصاهرة والإنجاب حتى تبين أن ذلك عمل على نزع فتيل العصبية القبلية الموسوم به العربي، لما للنسب من شأن في التحالف القبلي والانتماء. إنه أمر يدعو للفخر حينما نجد أن القبيلة الواحدة أبناء رجل واحد وامرأة واحدة تنسب لها القبيلة فيما بعد بكل عزة وافتخار. من أين أتى لنا هذا الرجل المذكور في هذا العزاء؟ ومن أين أتى بهذه الأفكار الشائهة؟ سأعاجلكم بالإجابة عن قرب بمقتضيات المفهوم السائد: أنه الفكر الراديكالي المتطرف الذي اجتاح مجتمعنا في حقبة ليست بالهينة على مدار الأربعين عاماً، رسخ في المجتمع أن المرأة عورة، وأن مكانها البيت، وأنها لا تخرج منه إلا للقبر، وأنها ناقصة عقل ودين، وكثير من الفكر الراديكالي الذي بدأ الوطن يتعافى منه بحمد الله وبفضل حكومة رشيدة ومستنيرة. لم يعد لمثل هذا الرجل مكان في عصر النهضة السعودية الجديد، وفي زمن الرائدات والعالمات والباحثات وصاحبات المراكز العالمية في لوحة الشرف السعودية العالمية. Your browser does not support the video tag.