الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    الأمن.. ظلال وارفة    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    إبراهيم الحارثي ل «عكاظ»: المسرح السعودي مثقلٌ بالخيبات !    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    منازل آمنة بتدريب العاملات    أهلا بالعالم    كرة القدم قبل القبيلة؟!    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضحيان: الجو التعليمي عندنا أحادي ومتزمت جداً يشبه أديرة الرهبان
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2014

من الآية القرآنية، مروراً بالنص النبوي، وانتهاءً بالقاعدة النحوية.. كانت الكلمة العربية هي الصراط الذي سار عليه نحو تنمية فكرته وإنضاج تجربته المعرفية.
الدكتور سليمان الضحيان كاتب يعرف كيف يلامس حقيقة الأشياء من دون خدشها، تنامت حوله الحريات، ولا يزال يحمل بين يديه براهين تثبت براءة الإسلام من كل ما علق به من تشوهات عقائدية ومنهجية.
ضيفنا له رأيه حول الخطاب الديني، وانتقد الصورة المشوهة التي أنتجها التطرف، كما أكد أن النص الديني ليس متعالياً على الواقع، بل هو في جدلية معه.
لأنه من بريدة لذا يعرف كيف يختلف ويتفق ويرحل ويسكن، ويفعل في الأخير ما يحلو له. بين ردهات الجامعة وحبر الصحافة ومجالس الرأي تشكل خطابه وقوي بنانه. من يقترب منه قد يراه بسيطاً أكثر مما يجب، لكنَّ من يجلس إليه ويتأمله يعرف كم يسكنه من أشياء قابلة للانفجار في أي لحظة. إلى نص الحوار:
رحلة الذهاب من بريدة إلى الرياض للدراسة.. هل تشبه رحلة العودة إليها؟
- لا يوجد شبه إطلاقاً. كانت رحلة الذهاب للدارسة رحلة شاب يحمل بين جنبيه روحاً رسالية وثابة حالمة. يؤمن بأنه من جند العناية الإلهية الذين هم طليعة التغيير الذين سيعيدون المجد للأمة الإسلامية، وأما رحلة العودة إليها بعد ذلك فكانت رحلة رجل يتسم بالواقعية في نظريته للواقع والتاريخ والسياسة، ويحاول أن يفهم العالم كما هو لا كما يريد أن يكون.
لماذا لم تستهوِكَ الرياض فتركتها سريعاً؟
- استهوتني، وأحببت السكن فيها، لكن لجهالتي آنذاك بطريقة التقدم للإعادة في الجامعة؛ إذ كنتُ أعتقد بأن الجامعة هي من تعرض الإعادة على الطالب المميز، ولم أعلم أنه هو من ينبغي له التقدم بطلب الإعادة، وقد عُرِضتْ عليَّ الإعادة من جامعة الإمام-فرع القصيم فالتحقتُ بها.
بريدة وحديتها.. كيف أثرت في خياراتك؟
- بريدة ليست نشازاً في الحدية، كل مدن نجد تتصف بالحدية، لغياب التنوع الفكري فيها، وهي صفة تُكْسِبُ الإنسان الوضوح والمضي في تحقيق الهدف في المجال الفكري؛ إذ الخيار محسوم سلفاً بعدم وجود منافس.
هل من أسماء في ذاكرتك، ممنوعة من الصرف؟
- كثيرون، لكنّ أجلُّهم وأعظمُهم وأطهرُهم هي الراحلة المبجلة أمي، رحمها الله ورضي عنها وأرضاها.
أي قاعدة نحوية تعتمدها في حياتك؟
- قواعد كثيرة، أهمها القول المأثور عن الإنجيل: «ماذا تستفيدُ إذا ربِحْتَ العالمَ وخَسِرْتَ نفسَكَ؟»، والمقولة المأثورة: «عاملْ الناسَ كما يحبُ أن يعاملوك».
حفظت القرآن الكريم و«الأربعين النووية»، و«زاد المستقنع»، وجزء من «ألفية ابن مالك».. ما الأسوار التي كنت تود بناءها؟
- هي من اللبنات الأساسية لبناء طالب العلم في مجتمعنا، وأعتقد بأنني بنيت تلك الأسوار، وكانت في مرحلة لاحقة معيناً لي في قراءة التراث وفهمه، وتفكيك مقولاته، وإدراك مراميه.
دور المسجد
المسجد وعلاقتك الوطيدة به.. هل كان سبباً في اختيارك اللغة العربية تخصصاً؟
- ربما، إذ كانت الإشكالات اللغوية والإعرابية التي كان يلقيها شيخنا ونحن نقرأ عليه «تفسير ابن كثير»، وكان هذا يدفعني إلى مراجعة «البحر المحيط» لأبي حيان الأندلسي، و«فتح القدير» للشوكاني، وهذا كله مما دفعني إلى التوسع في معرفة اللغة.
مساجدنا اليوم.. هل ما زالت تمارس الدور الاجتماعي والتربوي الذي كانت تمارسه سابقاً؟
- في المدن الصغيرة والقرى ربما ما زالت تشارك في ذلك، أما في المدن الكبيرة فقد توارى هذا الدور كثيراً.
المنهج الذي أخرج الوسطي هو ذاته الذي أنتج المتطرف.. كيف تم الأمر برأيك؟
- كلاهما تعلِّم الفكر نفسه، وحفظ المقولات نفسها، لكن الفارق أن غير المتطرف تعامل مع المنهج الدراسي على أنه معلومات مطلوب منه حفظها لتوصله إلى النجاح فقط، وأما المتطرف فكان يحمل روحاً رساليَّة نضالية أكسبه المنهجُ الرسالةَ التي يجب -في نظره- إيصالها إلى العالم قاطبة.
مَنْ ظلم الإسلامَ؟
- كل من اعتقد بأنه المعبر الحقيقي الوحيد عن الإسلام من علماء ودعاة وحركات وحكومات.
إصلاح الخطاب الديني.. من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟
- يبدأ بإدراك أن النص الديني ليس متعالياً على الواقع، بل هو في جدلية معه، وإذا كان العالم في المئة سنة الأخيرة تغير تماماً في كل شيء عن عالم الماضي فهذا يستلزم -بالضرورة- تغير منهج الاستنباط؛ لنحقق فعلاً أن الشريعة صالحة لكل زمان، وهذه المواكبة لا تنتهي أبداً، بل يجب أن تستمر ما دام أن الوقائع التي يُنَزَّلُ عليها النصُّ الديني تتغير باستمرار.
نبذل جهوداً للخلاص من تهمة تصدير «الإرهاب».. هل تظن أننا نمضي في الاتجاه الصحيح؟
- الإشكال أن الجهود منصبّة على الخارج كالدعوة لحوار الأديان، وتمويل الدراسات ضد الإرهاب، وتمويل الحملات ضد الإرهاب، وكل هذا جميل، لكن يبقى الجهود الداخلية فهي تكاد تقتصر على المعالجة الأمنية، من دون وجود استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب.
انتقدت «ظاهرة الهجوم على الصحوة».. هل هذا يعني أنك تُبرئها مما يُنسب إليها؟
- أنا انتقدت «الهجوم»، ودعوت إلى «النقد الموضوعي»، ومعنى هذا أن ما يُنسب إلى الصحوة من أخطاء هو على ثلاثة أجزاء: جزء منه صحيح، لكنه أخطاء موجودة قبل الصحوة، وجزء ثانٍ أخطاء فعلية وقعت فيها الصحوة، وجزء ثالث هو محض هجاء للصحوة.
جيل الصحوة
كثير من جيل الصحوة يُعاني الازدواجية.. أبناؤنا اليوم ما معاناتهم؟
- بل أعتقد بأن الغالبية في المجتمع السعودي من جيل الصحوة ومن أبنائنا اليوم يعاني من تلك الازدواجية، والسبب وجود خطاب ديني مثالي مكثَّف جداً، يرسم صورة للمتدين الذي يستحق الاحترام في المجتمع، فأصبح الشخص منا ينشد الاحترام والتبجيل، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع تحمل تكاليف ذلك الخطاب، وهنا تكون الازدواجية هي الحل.
ومما يضاعف الازدواجية لدى أبنائنا اليوم الانفتاح الهائل في وسائل الإعلام، وهو ما أتاح له الاطلاع على مقولات وأفكار أسهمت في خلخلة البنية الفكرية لكثير منهم، وأكسبتهم القناعة بأفكار قد تكون مغايرة لمجتمعه، ولأن واقعنا المحلي لا يسمح بالطرح الفكري الحر، فإن الحل هنا هو الازدواجية بين ما يؤمن به من أفكار وما يتظاهر به أمام المجتمع.
ما الشعرة بين السلفي والإخواني؟
- شعرات كثيرة، وليست واحدة، من أهمها «البراغماتية» فكراً وتعاملاً، وسياسة لدى «الإخواني» في مقابل الراديكالية في ذلك كله لدى السلفي.
عندما يُجرِّم المجتمع السعودي «داعش».. برأيك، على مَنْ يُلقي اللوم؟
- بحسب توجه كل تيار؛ فالليبرالي يُلقي اللوم على الخطاب الديني عامة، والإسلامي يُلقي اللوم على ما يسميه «التغريب»، الذي ينتج رد فعل عكسي لدى الشباب المتدين، والتقليدي الحكومي يُلقي اللوم على الحَرَكية الإسلامية، أي نحن أمام حال توظيف للحدث لمصلحة التيار.
«الإسلام السياسي» و«تسليع الدين».. هل أصبحا خدعة قديمة؟
- «الإسلام السياسي» ليس خدعة، إذ هو تيار سياسي يعلن عن نفسه ببرامجه وطموحاته للوصول إلى السلطة، وقد وصل في بعض الدول العربية كتونس، وسيظل موجوداً مثله مثل كل تيار سياسي من حق المجتمع نقده أو رفضه أو الانضمام إليه.
وأما «تسليع الدين» فما زال سلعة رائجة، وسيظل كذلك ما وُجد عاميٌّ يجهل دينه.
لماذا في الفتاوى.. التحريم أسهل طريقاً إلينا من التحليل؟
- لأننا تربينا على أن الأصل في الدين هو «المنع»، وأصبح التعليمات الدينية أقرب إلى قائمة كبيرة من الممنوعات، ولهذا يكاد يستحيل أن نجد فتوى بتحليل أمر موضوعه على لوحة الإعلانات في مسجد أو مدرسة أو مستشفى، إذ الأمر يقتصر على وضع ملصقات التحريمات، والعقل الجمعي الغالب لدينا يتوجس من كل فقيه لديه فتاوى تنحو منحى التيسير، وفي المقابل نصف كل من تشدد في آرائه الفقهية بأن حامله على ذلك الورع والتقى.
التراجع ومراجعة كثير من الإسلاميين (وأنت منهم) لمواقفهم المتشددة.. كيف يقرأه المجتمع؟ وهل سيقبله؟
- بحسب نوع التيار الفكري في المجتمع، إذ المجتمع السعودي اليوم لم يعد ذلك المجتمع الذي يسوده تيار فكري واحد نتيجة لأحادية وسائل التلقي كما كان قبل ربع قرن، فتعدُّد وسائل التلقي أوجد مجتمعاً يموج بالتيارات الفكرية، ومن هنا فإن نظرة المجتمع تختلف باختلاف تيارات المجتمع، فالمحافظون من الإسلاميين يرفضونهم رفضاً مطلقاً ويرونهم طليعة تغريبية تحرِّف الدينَ خدمةً للتغريب، وغلاة العلمانيين يرونهم نسخة إسلامية مخادعة تتبنى بعض الأفكار العلمانية للتنفير من العلمانية، وغالب الجيل الجديد يتبنى كثيراً من أفكارهم.
هل ندمت على شيء مضى.. بعد مراجعتك لقناعاتك؟
- لا، لم أندمْ؛ لأني أؤمن بالسيرورة التاريخية للأفراد والمجتمعات والأمم، فالوصول إلى أي مرحلة يتطلب المرور حتماً بمراحل أخرى، ومن هنا فقناعاتي اليوم كانت نتاجاً لمراحل فكرية مررت بها، كل مرحلة لها تجربتها وقراءاتها وأحداثها.
الاعتماد على قوة الدين.. هل يجعل الحكومات تكسب؟
- نعم، تكسب على المستوى القريب، لكنها تتورط على المستوى البعيد؛ لأن «الدين» وهو يُعبَّرُ عنه في الواقع بواسطة مذهبٍ، له رجال وحرس ومتطلبات، وهذا سيكبل حركة الحكومة لاحقاً بطلباته وقيوده.
المدرسة السعودية
المدرسة السعودية لا تشبه الشارع السعودي.. ما رأيك؟
- هذا صحيح، فهي تكاد لا تشبهه في شيء، فالجو التعليمي فيها متزمت جداً، ينحو نحو المثالية المصطنعة، والأحادية في الرأي، وهي بهذا تشبه أديرة الرهبان التي تخضع لطقوس تنظيمية صارمة.
مخرجات أقسام اللغة العربية من الجامعات.. هل تستوعبها سوق العمل؟
- ستستوعبهم إلى أجل، وذلك إذا توافر شرطان، الأول: الأهلية العلمية فيهم، والثاني: الانفتاح الإعلامي، بالسماح بإنشاء صحف وقنوات تلفزيونية خاصة، يشترط العمل فيها اتقان اللغة العربية.
كيف تقرأ انتماء طلاب اللغة العربية إلى تخصصهم؟
- ضعيف للأسف؛ لأن كثيرين منهم لم يتخصصوا باللغة العربية عن قناعة وعشق، إنما تخصصوا بها؛ لأنها الفرصة الوحيدة المتاحة لهم للالتحاق بالجامعة؛ لانخفاض معدلهم في الثانوية.
لماذا الشغف مرتبط غالباً بالتخصصات العلمية بينما الإنسانية تفتقده؟
- لأن التخصص الجامعي في العالم كله هو الوسيلة المثلى للالتحاق بوظيفة مجزية، ويندر من يتخصص بالعلوم الإنسانية لشغف معرفي خالص.
هل تعثر حركة التعريب حرمنا من الإسهام في تطوير العلوم؟
- لا ليس هو السبب؛ بل السبب أن الإسهام في تطوير العلوم فرع عن وجود حضارة قائمة بارعة في جميع التخصصات، ووضْعنا -نحن العرب- بائس جداً من الناحية الحضارية.
الفجوة بين التعليمين العام والعالي.. هل يراها المسؤول؟
- ليس من مهمات التعليم العام أن يؤهل كل الطلاب للالتحاق بالجامعة؛ إذ مهمته في العالم كله إكساب الطالب المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والتفكير والفهم والاستنباط، وقلة من الطلبة يلتحقون بالجامعة نتيجة تميزهم في إتقان تلك المهارات الأساسية، وجهدهم الذاتي في تنمية قدراتهم.
والإشكال لدينا أن القبول الجامعي لدينا لا يعتمد على التميز بالتحصيل العلمي الذي هو المقياس الصحيح للقبول، بل يعتمد على الدرجة المتحصلة في الثانوية مع درجة القياس ودرجة التحصيل، وكل هذا مما يتيح للطالب التحايل عليه، ولهذا يلتحق بالجامعة طلبة كثيرون ليسوا مؤهلين علمياً.
المناهج الدراسية
لماذا يثور الثائرون على فكرة تجديد المنهج الدراسي في التعليم العام؟
- لأن الواقع في الحقيقة هو صراع على المكتسبات، وغالباً الصراع لا يكشف حقيقته، بل يتمظهر بمظاهر مثالية مثل «الغيرة على الدين»، أو «وترسيخ الوطنية»، و«المحافظة على القيم»، وغيرها من المثاليات.
في مجتمعنا لا نبارح «المرحلة الابتدائية»، في كل مرة الغريب لا نقبله، وما نجهله نعاديه، وبعد زمن نضحك على جهلنا.. هل لدينا صعوبات تعلم؟
- من أدلة الحكم بصحة الشيء في الثقافة التقليدية دليلان: دليلُ «القِدَم»، ودليلُ «الكثرة»، فالدليل على صحة أي أمر، أو أي فكر أنه معمول به منذ القِدَم، ولو كان خطأ لما استمر العمل به، وأن أكثر الناس يفعلونه أو يؤمنون به؛ إذ لو كان خطأ لم يفعله الكثيرون، والجديد يفتقر إلى هذين الدليلين في الثقافة التقليدية، وحينما يتجرأ أحد على فعله يُنْكَرُ عليه، ثم مع مرور الزمن وتجرؤ الكثيرين يكتسب الدليلين فيصبح مقبولاً وصحيحاً.
«الوسطيون» من كبارنا، بين غياب واختيار للصمت.. برأيك، ما حكمتهم؟
- هم موجودون لم يغيبوا، ولم يصمتوا، لكن لأن مجتمعنا لم يتعود على التعددية وقبول الآخر، ولم تترسخ لديه ثقافة الاختلاف أصبح كل تيار سواء أكان إسلامياً أم ليبرالياً أو قومياً يطرح آراءه بوثوقية ويقينية، وبلغة صاخبة على أنه هو الصواب، ويرفض الآخر، ويقولب الآخر ضمن قالب انتقاصي، وأصبح لكل تيار رموزه وجمهوره بما يشبه مباراة كرة القدم، وفي مثل هذه الأجواء الحديَّة لا مكان للمعتدلين، فتضيع أصواتهم وسط الصخب الحاد من تلك التيارات.
نخفق في صناعة الأبطال، وبالمقابل نلهث في البحث عن بطل نقدسه.. لماذا؟
- كل إنسان يريد التعبير عن ذاته وتطلعاته وأحلامه، ولأن الغالبية تخفق في هذا فهي تبحث عن رمز (بطل) تعبِّر عن ذواتها من خلاله، وهذا ما نصنع، ولاسيما أن المجتمعات غير الحرة تقل فيها فرص البطولة.
المطالب المثالية للدعاة تعطل نمو المجتمعات.. ما رأيك؟
- لا أعتقد أن الدعاة لديهم سلطة تعطيل نمو المجتمعات، مطالبهم -مهما كانت- ستظل في حيز «المطالبة»، وربما تسهم في التشويش بحسب جماهيرية الداعية، لكن ما يعطل نمو المجتمعات في الحقيقة هو غياب الاستراتيجية الشاملة لحكومات تلك المجتمعات، وترددها في حسم القضايا العالقة.
انفصال العلم الشرعي عن الواقع المعيشي.. ألا يحرمنا خيراً كثيراً؟
- كلا، لا يحرمنا، الإشكال في هذا السؤال أنه وقع ضحية ما يسمى «أسلمة الحياة»، بالبحث عن رأي الدين في كل جزئية من جزئيات الحياة المعيشية، وهذا من باب التكلف المنهي عنه شرعاً.
إيران و«داعش»
«إيران والشيعة» «الإخوان وداعش».. لماذا أصبحت السلفية في معركة مع كل أحد؟
- أكثر الملفات التي تجب إعادة النظر فيها في الفكر السلفي هو ملف «العلاقة مع الآخر»، فهو ملف يستند في كثير من تقعيداته إلى إرث صراع المذاهب العقدية في القرن الثالث الهجري، وما دام هذا الملف لم يُعالَج فستظل الثقافة السلفية رهينة للتنظيرات الموروثة عن تلك الصراعات.
- القصص الدعوية المكذوبة، استمرت على مدى جيل كامل.. ما المنهج الذي كان يُغذِّيها؟
- ما زالت مستمرة حتى الآن، كانت في أيام شبابنا في الأشرطة، والآن في «واتساب»، ويغذِّيها الجهل.
هل نصدق كل ما في تاريخنا؟ ولماذا بعض الأحداث التاريخية في حكم المسكوت عنه؟
- استقر في الوعي الإنساني البحثُ عن المجد والعظمة، والتاريخ جزء من الذات، وإذا كان حاضر الأمة بائساً -كما هو واقعنا- ففي التاريخ تعويض عن ذلك، ولهذا يُبْحثُ في ذلك التاريخ عن مواطن العظمة والفخر، ويُسْكَتُ عما فيه من جوانب سيئة، وهذه ظاهرة إنسانية عامة، وحدها الأمم المتقدمة اليوم هي من تملك الشجاعة لنقد تاريخها الماضي.
مفهومنا للوسطية.. ألا تشعر أنه يجعلنا بلا ملامح واضحة؟
- ما الوسطية؟، ليس هناك مفهوم لها متفق عليه بين الجميع، وفي المقابل لا يوجد إنسان يقول إنه ليس بوسطي.
كل المذاهب الدينية، والأطروحات الفكرية، والمقولات الدينية يرى أصحابها أنهم هم الوسطيون.
والدولة في كل العالم لجميع موطنيها على اختلاف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم، وعليه فالحل أن نقبل التعددية والخلاف مع وضع قانون يمنع التعدي والعنف وتهديد السلم الأهلي.
«السلفية»، «الجامية»، «السرورية»، وأخيراً «الإخوانية»، أبناء من رحم واحد.. كيف صاروا إخوة أعداء؟
- أشد العداوات عداوةُ أبناء المهنة الواحدة، وهؤلاء كلٌّ منهم يريد أن يحتكر صفة الناطق باسم الإسلام.
لماذا المتشدد يتفلَّت بسرعة، والمتفلت يلتزم أشد؟
- هي الحاجة إلى التعويض؛ فالمتشدد حُرِم من مباهج الحياة البريئة فإذا ترك التشدد يوغل في التعويض فيصل إلى ما هو غير بريء، والمتفلِّت يتخم مما هو غير بريء فإذا التزم دينياً شدَّد على نفسه لتعويض ما فات دينياً.
لو كان الشاطبي بيننا.. هل سيتغير الفقه معه؟
- لا أظن؛ فالشاطبي كان فقيهاً متمذهباً، بل لو كان بيننا العبقري الجهبذ عمر بن الخطاب لتغيَّر الفقه جذرياً.
حدود بلادنا، خنادق ومصائد.. كيف الخلاص، وما الحل؟
- هكذا هي السياسة غالباً، والخلاص بتقوية الجبهة الداخلية بمزيد من التنمية والعدالة والانفتاح السياسي.
التشظي بين الوطنية والانتماء الطائفي.. ما الذي سيجبره؟
- سيجبره تعزيز الانتماء الوطني بتحقيق العدالة، وحرية التعبير عن الذات دينياً وسياسياً وفكرياً، فالوطن الحقيقي هو في إتاحة التعبير عن الذات كما يريد الإنسان، والعدالة والمساواة قبل أن يكون حفنة من تراب.
عندما نقول: الوطن أولاً، يسمعها بعضهم وكأنها «لا للدين».. أين المشكلة؟
- المشكلة في الفهم المغلوط لمفهوم «الولاء والبراء» في ثقافتنا الدينية؛ إذ جُعل الولاء للدين يعني إبطالَ كلِّ ولاءٍ لا يكون أساسه الدين؛ كالولاء للوطن، أو للعروبة، أو غيرها من الولاءات الفرعية.
الثورة في المنطقة العربية.. لماذا تبدأ بلغة وتنتهي بلغة أخرى مختلفة؟
- من قام بالثورة في الدول العربية تيارات متباينة لم يكن يجمع بينها إلا العداء للديكتاتورية والتسلط، وبعد أن تحقق الهدف المتفق عليه تباينت أهداف كل فريق عن الآخر، وهو ما أسقط الجميع في هوة الصراع.
«الديني» في مقابل «السياسي».. من له السلطة على الآخر؟
- في واقعنا المحلي السلطةُ كل السلطة للسياسي.
من شوَّه الوطنية ووصمها تعميماً بالتطبيل؟
- شوَّههَا من خلط بين «الوطن» و«الحكومة»، وجعلهما شيئاً واحداً.
«سياسيا» تغيير اللاعبين.. هل سيغير قوانين اللعبة ؟
- في الدول التي لا تحكمها المؤسسات نعم بلا شك ولا ريب.
لماذا التصنيفات عندنا مثل ليبرالي، إسلامي، علماني حين تخرج خارج الفضاء الافتراضي تذوب وتكاد تتلاشى؟
- لأن الفضاء الواقعي لا يتمتع بالحرية التي يتمتع بها الفضاء الافتراضي.
كتبت «الآلة الإعلامية الجبَّارة التي تروِّج للتدين الآيديولوجي على أنه هو التدين الحقيقي».. هل ترى أن إعلامنا يصنع صورة نمطية سيئة للدين؟
- نعم؛ لأنه أسهم في تحويل «الدين» إلى «تجارة رابحة» دنيوياً.
واقع الصحافة
تجربتك الصحافية مع قينان الغامدي في صحيفة «الوطن».. ماذا رفعت وماذا نصبت؟
- رفعت ثقتي بوجود صحافيين مهنيين في الصحافة السعودية كالأستاذ قينان، ونصبت اعتقادي أنه يمكن أن يُستفاد رسمياً من بعض الأفكار التي تُكتب في بعض المقالات.
كيف تقرأ الصفحات الإسلامية في صحفنا؟
- هي امتداد لواقعنا الديني من حيث التمذهب وأحادية الرأي.
وجودك هل ساعد في خروج كثير من الأسماء المتطرفة سابقاً المتبلرنة حالياً؟
- نعم، ساعد في هذا، وأحترم الخيار الثقافي والفكري لكل من صاحبتُه، أو زاملتُه، أو علَّمتُه، فأنا مع حرية التعبير، وحرية العقيدة.
- محاكمة المثقفين وتفسيقهم.. هل تراها بدعاً أو تقنيناً للحرية؟
- أراها انتهاكاً للحرية.
العالم الافتراضي.. هل أسقط الكثير من الرموز؟
- الأمر يختلف بحسب الجمهور، فهم لم يسقطوا لدى الجمهور المؤدلج الذي يرمِّزهم بصفتهم قادة للتيار في معركة ضد التيارات الأخرى.
بدليل أنه يدافع عن أخطائهم، ويبحث عن المخارج لسقطاتهم، ربما أسقطتهم عند الجمهور غير المؤدلج غير المعني بمسألة التيارات وصراعاتها، الذي كان يتعامل معهم بطهرانية، فهم عنده مثال لحسن الخلق والتضحية والصدق والإخلاص.
ثم اكتشف أنهم مثله مجرد بشر لهم طموحات وأهواء، ولهم سلبيات وإيجابيات.
نظلم المرأة لنثبت رجولتنا وننتصر للدين!
حول الهوس بمصادرة كل جديد يخص حال المرأة السعودية يؤكد الضحيان أنه:
اجتمع في قضية المرأة لدينا خطاب ديني مكثف يبالغ بفكرة سد الذرائع، وثقافة محلية ذكورية تلغي أي وجود للمرأة؛ فالخطاب الديني يتعامل مع قضية المرأة، وفي ذهنه ما حدث في البلدان العربية للمرأة في قضية المرأة على مدى أجيال. ولهذا فهو يُضَخِّمُ كل أمر يخصها؛ سداً للذريعة، والمرأة في ثقافتنا المحلية الذكورية لا تعبِّر عن نفسها فقط، بل تعبر عن الأسرة والقبيلة والتقاليد والشرف والعفاف، فهي رمز لكل ذلك، وكل من أراد أن يثبت رجولته فعليه -في الثقافة المحلية- المحافظة على هذا الرمز، وما أكثرَ الذين يريدون إثبات رجوليتهم!
وحول عداوة المرأة في مجتمعنا للمرأة، قال: المرأة في ثقافتنا الدينية الموروثة من تنظيرات بعض فقهاء القرون المتأخرة -وهي قرون انحطاط حضاري- تحتل مرتبة متدنية جداً في السلم الاجتماعي، وهذا التنظير يقدَّم للمرأة على أنه هو رأي الإسلام، ومن منطق ديني إيماني خالص تستسلم له المرأة وتدافع عنه، وتتخذ موقفاً هجومياً ضد من يختلف معه من بنات جيلها.
تفعل ذلك كله وهي ترى نفسها أنها تدافع عن الإسلام ضد هجمة تغريبية لإفساد المرأة.
وأوضح الضحيان أن الرجل السعودي مسكون بالرعب من المجتمع في كل مواقفه التي قد تساند المرأة، وأنه يخاف التعري وحيداً أمام نظرات المجتمع الذي سيسلبه صفات الرجولة والشرف والغيرة، وبقدر ارتفاع صوته معارضاً يكتسب تلك الصفات التي تكسبه مكانة مرموقة في نظر المجتمع.
سيرة ذاتية... سليمان الضحيان
- درس المرحلة الجامعية في كلية التربية في جامعة الملك سعود-قسم اللغة العربية، وحاز الشهادة الجامعة في التربية والآداب بتقدير ممتاز.
- حصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة الإمام في تخصص النحو والصرف وفقه اللغة وكان موضوع أطروحته: «شرح جمل الزجاج دراسة وتقويماً».
- حصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الإمام محمد بن سعود في النحو والصرف وكان موضوع الأطروحة: «اختيارات الشاطبي النحوية والتصريفية».
- انتظم في الدراسة التقليدية في المسجد في فترة ما قبل الدراسة الجامعية وخلالها، فحفظ القرآن الكريم، والأربعين النووية، وجزء من عمدة الأحكام، وزاد المستقنع، وجزء من ألفية ابن مالك.
- درس الفقه في «شرح زاد المستقنع» والعقيدة في «السفارينية» على فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، رحمه الله.
- ودرس التفسير على الشيخ الدكتور محمد المديفر.
- ودرس الحديث على الشيخ إبراهيم الدبيان في شرح «بلوغ المرام».
- ودرس مصطلح الحديث على الشيخ الدكتور إبراهيم اللاحم في «شرح نخبة الفكر لابن حجر».
المسيرة العملية
- عُين معيداً في جامعة الإمام-فرع القصيم.
- عمل باحثاً في مركز البحوث التابع لفرع الجامعة من عام 1416ه/1423ه.
- عمل أستاذاً مساعداً في قسم اللغة العربية جامعة القصيم منذ عام 1423ه حتى عام 1432ه.
- يعمل أستاذاً مشاركاً في القسم نفسه منذ عام 1432ه
- عضو في اللجنة الثقافية في كلية العلوم العربية والاجتماعية في جامعة القصيم.
- عضو في لجنة المناهج الأكاديمية في كلية العلوم العربية والاجتماعية/جامعة القصيم
- عضو في جمعية اللغة العربية.
- عمل مستشاراً للكتاب الذي تصدره مجلة «العربية» التابعة لوزارة التعليم العالي.
- ألقى دروساً ومحاضرات في كثير من المساجد.
نشاطه الإعلامي:
- كاتب منتظم في صحيفة «الوطن» السعودية لعامين متتالين (2001/2002)، وكاتب منتظم ومستمر الآن في صحيفة «مكة».
- له مشاركات في الصحافة المحلية والعربية كصحف «الرياض»، «عكاظ»، «الجزيرة»، «المدينة»، «الشرق الأوسط»، «الحياة»، ومجلة «المجلة»، مجلة «اليمامة».
- يشارك في العديد من الندوات واللقاءات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.