لقد مرّ العالم العربي والإسلامي بتجارب مريرة وكثيرة لم يكتب لها النجاح؛ وذلك لغياب مؤسسات صنع القرار، ومراكز الدراسات، وعدم السماح بحرية النقد مما جعل القرارات مرتجلة والأخطاء تتراكم، والمصالح الشخصية فوق مصالح الوطن.. من السهولة أن يطلب القائد أو الوزير المختص حلاً معيناً يمليه على الحاضرين أو على مدير مكتبه ليجده قد تحقق خلال أيام أو أسابيع، لكن هل هذا هو أفضل الحلول؟ هل يوجد حل أفضل أو أقل جهداً وتكلفة من الحل الذي اقترحه المسؤول؟ ما تبعات القرار وتأثيره على العناصر الأخرى التي تتأثر بهذا الحل؟ «لا توجد طرق مختصرة» عبارة يجب أن تكتب بماء الذهب، وتعلق في مكتب كل مسؤول، ذلك أن الحلول تتعدد بتعدد المشاركين لحلها، وتنضج مع تعدد المؤسسات التي تدرسها، وأفضل المسارات للبحث عن أفضل الحلول هو اتباع الخطوات العلمية لحلها. فالدول المتقدمة لم تضع الخطط بعيدة المدى وتصرف الكثير على مراكز الدراسات عبثاً، والمملكة لم تستقدم المستشارين وتدفع لهم بسخاء ترفاً. فتجارب الأفراد والدول تتشابه والتحديات تتماثل، ومعظم الذين عملوا على نهضة هونغ كونغ انتقلوا إلى سنغافورة ثم إلى دبي وهكذا. أميركا أخذت الكثير من مواد دستورها من الدستور الفرنسي، ومصر أخذت نظامها القضائي من فرنسا، وبريطانيا كانت نبراساً لدول العالم في العلوم والتصنيع، ولا أبلغ من الحديث الشريف «الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها». لقد مرّ العالم العربي والإسلامي بتجارب مريرة وكثيرة لم يكتب لها النجاح؛ وذلك لغياب مؤسسات صنع القرار، ومراكز الدراسات، وعدم السماح بحرية النقد مما جعل القرارات مرتجلة والأخطاء تتراكم، والمصالح الشخصية فوق مصالح الوطن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما قامت به الثورات العربية منذ قيامها وحتى الربيع العربي، لقد اتخذت حكومات تلك الدول قرارات كثيرة غير مدروسة لا مجال لنقدها، فالتأميم على سبيل المثال قتل روح المنافسة، والقرارات العاطفية لإرضاء الشعوب جعلت المواد الغذائية والطاقة والخدمات أرخص من التكلفة مما جعل الاقتصاد يعاني، وشركات القطاع العام والخاص تتدنى إنتاجيتها وتتراكم عليها الديون، بينما نرى على الجانب الآخر دولة الاحتلال إسرائيل تؤسس لأول مراكز أبحاثها بالقدس في العام 1925 أي قبل قيامها بنحو 23 عاماً، ثم تسير على هذا النمط في الصرف السخي على الأبحاث ومراكز الدراسات. لا توجد طرق مختصرة لمنافسة دول العالم المتقدم سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الرياضي إلا بالأخذ بالخطوات العلمية، وإيجاد المزيد من مراكز الأبحاث والدراسات ووضع الاستراتيجيات والخطط بعيدة المدى، ومكافحة الفساد على كل مستوى، والمملكة في سيرها الحثيث للحاق بركب الحضارة وتأسيس اقتصاد قوي له صفة الاستمرارية والقضاء على الفقر والبطالة والجهل بحاجة إلى المزيد من مراكز الدراسات في أهم مواقع صنع القرار كمجلس الوزراء، ومجلس الاقتصاد والتنمية، ومجلس الشورى. النيات الطيبة لا تكفي، هل يوجد أفضل من الدعوة إلى الاكتفاء الذاتي من سلعة مهمة كالقمح؟ هذا هو ما أخذت به وزارة الزراعة في المملكة مع بداية الطفرة، وتم دعمها بكل ما تحتاجه من إمكانات، وتم شراء المنتج بثلاثة أضعاف قيمته في السوق العالمي، وتفاعل الأفراد والشركات لجني الأرباح، لكن النتيجة كانت مضرة وغير قابلة للاستمرار، ذلك أن المستفيد هو الشركات الكبيرة المصدرة للمعدات ومتطلبات الزراعة، أما العامل الأكبر الذي لم يحسب حسابه فهو استنزاف المياه، مما جعل المشروع يتوقف تدريجياً، ولو درس القرار علمياً لتم تعميم تقنية البيوت المحمية وخاصة الزراعة المائية التي لا تستهلك سوى القليل من الماء بدلاً من القمح، وليست الدول النامية وحدها من يرتكب الأخطاء فدولة مثل أميركا بكل ما لديها من مؤسسات اتخاذ القرار ومراكز دراسات ارتكبت خطأً بغزوها العراق كلفها الكثير من المال والأرواح، وفي النهاية انسحبت منه لصالح إيران، والسبب هو خضوعها لضغط منظمات مؤثرة، وشركات صناعة الأسلحة العملاقة، وتأثير دولة نافذة هي إسرائيل. وللمملكة في الماضي تجارب ناجحة كان من الواجب أن تعمم مثل إنشاء شركة أرامكو، حيث بدأت بأفضل ما في العالم المتقدم من ممارسات إدارية ومالية، وإنشاء جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وإنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع للاستفادة من الغاز الطبيعي الذي كان يحرق عند فوهة البئر، وإنشاء معهد الإدارة العامة والمستشفى التخصصي، والقوات الجوية في المملكة خير مثال على نجاح تجارب تأخذ بالحلول العلمية، وتستفيد من تجارب الدول المتقدمة. التجارب الناجحة كثيرة على مستوى العالم ومثلها التجارب الفاشلة، لكن الأخذ بالطرق العلمية هو الأفضل لحل المعضلات، وتقليل الأخطاء، وإعطاء أفضل النتائج للمستقبل بإذن الله. Your browser does not support the video tag.