ولد عالم الاقتصاد البنغالي محمد يونس في مدينة شيتاجونج العام 1940.. حصل على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة دكا، وحصل في 1965 على منحة لدراسة الدكتوراه في جامعة فانربيلت في أميركا.. وحين عاد من أميركا عين رئيساً لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاجونج، ولكنه لاحظ أن مستوى الفقر يتفشى باستمرار بين الناس (لدرجة عانت بنغلاديش من مجاعة حقيقية العام 1974).. لاحظ أن النظام البنكي التقليدي لا يخدم الفقراء، ويتجنب التعامل معهم بدعوى عجزهم عن تسديد القروض البنكية.. كان يقول دائماً إن القروض لا تعني للأثرياء سوى مزيد من الأرقام، ولكنها بالنسبة للفقراء وسيلة لانتشالهم من البؤس والجهل والمرض.. كان على قناعة بقدرة الفقراء على التسديد (دون ضمانات مسبقة) في حال وجهت القروض لإنشاء مشروعات تقدم عوائد لهم.. صمم لطلابه نظاماً بنكياً يتناسب مع حاجة الفقراء في القرى والأرياف والدخل المتواضع في بنغلاديش.. حاول إقناع الحكومة والبنوك التجارية بتبني نظامه المصرفي، ولكنهم سخروا منه واعتبروها مغامرة خاسرة.. وحين عجز عن إقناع أحد، بدأ يمنح من جيبه الخاص قروضاً لا تتجاوز 27 دولاراً للنساء الأشد فقراً في قرية جوربا (قرب جامعته).. ورغم ضآلة المبلغ تمكنت النساء (اللواتي يصنعن السلال من الخيزران) من شراء المزيد من المواد الخام وتحقيق أرباح إضافية لأسرهن.. بدأ يتوسع بالفكرة ويمنح الأرامل اللواتي لا يملكن أي مهارة قروضاً صغيرة لشراء هواتف يؤجرنها لإجراء المكالمات. شجعته هذه التجربة على إنشاء بنك جرامين العام 1983 (الذي يعني بنك القرية ويعد أول بنك فقراء في العالم).. وخلال أول عامين اتضح أن نسبة تسديد الفقراء للقروض تفوق نسبة تسديد الأثرياء للبنوك التقليدية (حيث فاقت 98 % بين المقترضين من بنك جرامين).. قد يكون ذلك بدافع الوفاء، أو بهدف نيل قرض آخر، ولكن في النهاية اتضح أن الفقراء أكثر أمانة من الأثرياء، وأن بنك جرامين أبعد البنوك عن الخسارة والإفلاس.. حقق بنك جرامين انقلاباً في المفاهيم البنكية، وأصبح يحقق أرباحاً كبيرة رغم تعامله مع الطبقات الفقيرة (ولهذا السبب توقعت فوز محمد يونس بجائزة نوبل في الاقتصاد وليس السلام في مقال بعنوان بنك الخيرين العام 2004).. تضخمت أصول البنك وأصبح يقدم المزيد من القروض لتحسين حياة الفقراء دون قهر أو ظلم أو رهن لممتلكاتهم البسيطة.. ليس هذا فحسب بل شجع المقترضين على إنشاء جمعيات تضامنية تساهم بتسديد قرض أي أسرة تعثرت مالياً.. وفي العام 2006 فاز بجائزة نوبل (للسلام) وتبرع بنصف قيمة الجائزة للبنك نفسه والنصف الآخر لإنشاء مستشفى للعيون.. انتشرت فكرته حول العالم وظهرت بنوك الفقراء في أكثر من 80 دولة حول العالم.. وكما حصل مع بنك جرامين، حققت جميع البنوك المشابهة نجاحات خارقة وانتشلت حتى الآن 200 مليون إنسان من الفقر وذل الحاجة.. وهي بنوك عملية لا تعتمد فقط على النيات الحسنة، بل وتحقق أرباحاً كبيرة مقابل خسائر شبة معدومة بفضل قروضها الصغيرة وتوزعها على شريحة كبيرة من العملاء (وخبراء البنوك يدركون جيداً أهمية هذه المعادلة).. Your browser does not support the video tag.