في حسابي على الإنستجرام توجد صورة لرجلين جمعهما حب الفقراء والمساكين. صورة التقطها بنفسي في نوفمبر 2013 تجمع بين محمد يونس عالم الاقتصاد البنغالي، وخوسيه ألبرتو رئيس الأروجواي وأفقر رئيس دولة في العالم. الأول حاز على جائزة نوبل لتأسيسه بنوك الفقراء في بنجلاديش ومساعدته آلاف الأرامل على تأسيس أعمال صغيرة ومربحة يمتلكنها بأنفسهن. والثاني رئيس زاهد وفقير يعيش في مزرعة زوجته ويقتني سيارة فلوكسواجن قديمة (قدرت صحيفة الموندو سعرها ب1945 دولار فقط). الأول ساهمت فكرته في انتشار فكرة بنوك الفقراء حول العالم وانتشال آلاف المحتاجين من مستنقع الفقر والحاجة (حسب المبدأ النبوي اشتر فأسا واحتطب).. والثاني يتبرع ب90% من راتبه كرئيس للفقراء والمشاريع الناشئة، ويرفض السكن في القصر الرئاسي، ومع هذا أصبحت الأرجواي في عصره أحد أسرع الاقتصاديات نموا في العالم!! .. ويقوم بنك الفقراء على فكرة القروض متناهية الصغر لإنشاء مشاريع يمتلكها الفقراء بأنفسهم (وهي فكرة لا تهتم بها البنوك التجارية كونها لا تحقق لها فائدة ربحية عالية).. وكان محمد يونس الذي يدرس علم الاقتصاد بجامعة شيتاجونج قد أيقن أن ما يُدرسه لا يحل مشاكل الفقراء فقرر أن يتصرف بنفسه فأعطى مجموعة من النسوة الفقيرات قروضا لا تتجاوز 6 دولارات لشراء مواد يصنعن بها السلال ويبعنها بأنفسهم (بدل بيعها على تاجر الجملة).. وخلال أيام نجحن كلهن في تحقيق أرباحا مجزية واستطعن رد المبلغ إليه كاملا.. وبتكرار الفكرة قرر تطبيق البرنامج على مستوى أوسع فأسس عام 1976 بنك القرية أوGrameen Bank وبحلول 2008 كان للبنك 2100 فرع في قرى بنجلاديش ونجح في انتشال 12,5 مليون انسان من تحت خط الفقر (96% منهم من النساء والأرامل) في حين أثبتت حسابات البنك أن نسبة عدم السداد لا تتجاوز 2% من إجمالي عدد القروض (وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة تعثر الأغنياء مع البنوك التجارية)!! وسرعان ما انتشرت فكرة بنوك الفقراء في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبقية العالم، ويقدر أنها انتشلت حتى الآن 47 مليون انسان من قسوة الفقر والحاجة.. وفي عام 2006 فاز محمد يونس بجائزة نوبل للسلام وتبرع بنصف قيمة الجائزة للبنك نفسه (وكنت شخصيا قد كتبت عنه مقالا قبل ذلك توقعت فيه فوزه بجائزة نوبل.. ولكن.. في الاقتصاد)!! .. أما رئيس الأرجواي خوسيه ألبرتو موخيكا فبدأ حياته مقاتلا في منظمة توباماروس الثورية اليسارية. غير أنه سرعان ما أدرك أن السلاح لا يُصلح أحوال الناس فانخرط في العمل التطوعي والسياسي. وسرعان ما أصبح وزيراً للثروة الزراعية، ثم انتخب في مجلس الشيوخ، ثم فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2009.. ورغم أنه يحظى باحترام عامة الناس إلا أن رجال الصناعة والأعمال كانوا يخشون -في حال توليه السلطة- أن يحول الأرجواي الى الاقتصاد الاشتراكي أو يفرض عليهم ضرائب خاصة بالمشاريع الخيرية (خصوصا أنه كان في شبابه يسارياً معارضاً للطبقة الأرستقراطية وسلطة رجال الدين).. غير أن موخيكا أثبت أنه أكبر من كل المخاوف كونه على عكس ذلك فتح الأسواق، وشجع الاستثمار، وحمى المبادرات الفردية، وارتفع دخل المواطن في عهده عدة مرات، في حين لم يتغير هو ولم يشترِ لنفسه سيارة جديدة ولم يفتح حسابا في أي بنك حول العالم!! .. شاهدوا الصورة التي جمعت بين أثري فقيرين في العالم على: Instagram.com/fahadalahmdi