لا يكاد يسلم إنسانٌ من الشدائد والمخاوف والمكدرات؛ فهذه الحياة الدنيا لا تُبقي على أحدٍ، ولا يدوم لها على حالٍ شأن. ومن أعظم ما يواجه به الإنسان تقلبات الحياة ويحصِّل به الطمأنينة أن يلجأ إلى خالقه، وأن يلوذ به سبحانه، فإنَّ الأمور كلها بيده وإليه يُرجع الأمر كلُّه، وسبيله إلى ذلك: أن يكون لسانه رطباً بذكر الله، وأن يواطئ بذلك قلبُه، كما دلَّنا ربنا سبحانه في قوله: (0لَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ 0للَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ 0للَّهِ تَطْمَئِنُّ 0لْقُلُوبُ) [ سورة الرعد: 28 ]. فهذا وصفُ المؤمنين الصادقين المقبلين على الربِّ الكريم، فهم يذكرون الله بألسنتهم متيقنين عظمته متأملين في آياته، فتستأنس نفوسهم بتوحيد الله فتطمئن، وتطيب أنفسهم وتركن قلوبهم إلى جنب الله وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيراً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: «أن ملازمة ذكر الله دائماً هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة» انتهى. وإذا كان ذكر الله كلُّه حسنٌ طيب مبارك، فثمة أدعية وأذكار لها مزيد فضل لما جاء به دليلها من هذا التمييز، ومن تلكم الأدعية والأذكار العظيمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر جميل ودعاء جليل، قليل المبنى عظيم المعنى، فيه التوحيد والإجلال والتوقير لله سبحانه وتعالى، وفيه التوكل والاستعانة والتفويض لله سبحانه وبحمده، هي كلمة من تحت العرش، وغرس من غراس الجنة، وباب من أبوابها وكنز من كنوزها. وقد ورد في فضلها أحاديث صحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أوصى به أكثر من خمسة من أصحابه -رضوان الله عليهم- في أحاديث متفرقة، وأوصى به عموم أمته، ومن ذلك ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله»، رواه البخاري ومسلم. قال العلامة النووي رحمه الله: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر، ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة، وهو ثواب نفيس، كما أن الكنز أنفس أموالكم، قال أهل اللغة: الحول الحركة والحيلة، أي: لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل: معناه لا حول في دفع شرٍّ، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله. وأجمل الحافظ ابن رجب شرحه لهذا الكنز بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله: المعنى فيها: «لا تحول للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا بالله». انتهى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ولْيكن هِجِّيراه - أي عادته ودأْبُه - «لا حول ولا قوة إلا بالله» فإن بها تُحمَل الأثقال، وتُكابَد الأهوال، ويُنال رفيعُ الأحوال. Your browser does not support the video tag.