ناقشت القمة العالمية للحكومات في دورتها السادسة المنعقدة في منتصف شهر فبراير المنصرم بمدينة دبي موضوع (الذكاء الاصطناعي وأثره على الحكومات) وأكدت تلك القمة أن العالم بأسره تهب عليه رياح التغيير العاتية بلا استئذان، وتحمل تلك الرياح التجديدية في ثناياها تغيرات عصرية يأتي في مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي يتمحور في تلك الآلات التي تضاهي قدرات البشر ذكاءً كالروبوتات والأجهزة الحاسوبية الذكية. وقد أشار جمعٌ من الوزراء والخبراء المشاركين في القمة العالمية للحكومات إلى أن الذكاء الاصطناعي هو نفط المستقبل، فالآمال معقودة عليه في تغيير نمط الحياة التقليدية ولكن هذا التغيير يدق ناقوس الخطر للبشرية جمعاء، وقد نبه لذلك الرئيس السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس العام الماضي، وعبر عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما؛ وذلك لما يعلم من واقع خبرته عن الآثار السلبية التي سيجلبها ذك التغيير على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وقلقُ بيل غيتس نابع من أن الذكاء الاصطناعي سيعطل الطاقات البشرية وسيخلق بطالةً خلاقة، وقد أكدت ذلك شركة ماكنزي في تقريرها المقدم إلى القمة العالمية للحكومات المشار إليه سالفاً مفاده أن 45 % من الوظائف المشغولة بالقوى البشرية العاملة مرشح ليحل مكانها أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وذلك في كل من دول الخليج ومصر. فالذكاء الاصطناعي ولج في أدق الوظائف البشرية كالطائرات التي تعمل بلا طيار والروبوتات المفيدة التي تقوم بأدوار فعالة في بعض المدارس والوزارات، وكذلك الأجهزة الحاسوبية والهواتف الذكية، وقد أجرت مؤسسة أكسنتشر دراسة على 26 دولة لقياس مدى رضا العميل عن خدمات أنظمة الذكاء الاصطناعي فتوصلت الدراسة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة فقط قد بلغت نسبة رضا المستفيد من استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي 76 %، وهذا يدل على نجاح التقنية العصرية التي سلبت الألباب، وأسرت العقول، فوجدت قبولاً وارتياحاً بشرياً، كما تشير هذه الإحصائية إلى أن المنطقة برمتها مهيئة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. فالتحول حادث لا محالة، ولن نستطيع أن نقف أمام مجرى الطوفان، فكيف لنا مواجهة ذلك الطوفان الذي سيقتلع كل من يحاول رفض التطور ليذهب به إلى غياهب التخلف، فأحسبُ أن تطور التقنية العصرية سيمتد ليلقي بظلاله على جامعات العالم بأسره وسينتهي المطاف بها إلى مصيرين لا ثالث لهما وهما: أولاً: جامعاتٌ سيعفو عليها الزمن وستتجاوزها عجلة التاريخ وستنتهي إلى الفشل والاندثار لأنها اختزلت مهامها الأساسية في تطوير رأس المال البشري عبر تسليح الشباب بأنواع العلوم والمعارف والمهارات وتطوير إمكاناتهم العقلية من أجل إعدادهم لسد احتياجات سوق العمل وسيكون مآل تلك المهام هباءً منثوراً وستنتهي تلك الجهود سدىً في ظل تقدم الذكاء الاصطناعي بثباته واكتساحه لسوق العمل وتفوقه على القوى البشرية العاملة، لذا ستواجه هذه الجامعات عزوفاً كبيراً من الشباب في المستقبل، وسيكون التعليم الجامعي بالنسبة لهم غير ضروري لا سيما في التخصصات التي يمتاز بها الذكاء الاصطناعي كالحاسب الآلي، والهندسة؛ لأن الذكاء الاصطناعي جعل من خريجي تلك الجامعة رقماً جديداً في عالم العطالة، حيث لا حاجة لسوق العمل بهم. ثانياً: جامعاتٌ لديها فكر استراتيجي راقٍ، ورؤية استشرافية للمستقبل منحتها القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية؛ لأنها ترى الهدف من النظام الجامعي هو خدمة البيئة المحلية والارتقاء بها إلى مرتقى الإبداع وصناعة المستقبل؛ لأجل ذلك طورت منظومتها التعليمية لتنأى بنفسها عن النمط التعليمي التقليدي الآيل إلى الاضمحلال والتلاشي لتصبح نظماً تعليمية ذكية مواكبةً لعصر أنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر التركيز على الاندماج فيها وتطويرها وفق الاحتياجات المجتمعية أو التعليمية. Your browser does not support the video tag.