الذكاء الاصطناعي لا يمكن مقارنته بالغباء الطبيعي. «ألبرت إنيشتاين» مع تطور التقنية ودور الإنترنيت في العولمة، فقد تحولت الهيمنة في السوق من يد المنتجين إلى المستهلكين. وبدأت المنتجات والخدمات ذات «المقاس الواحد الذي يصلح للجميع» بالاختفاء. وبدأ المنتجون يصممون منتجاتهم وخدماتهم ويكيفونها لتناسب رغبات كل زبون لوحده. ولكن حقل التعليم بقي متخلفًا عن مواكبة العصر، حيث مازالت المدارس في العالم تتبع في الغالب أسلوبًا موحدًا في تدريس كل طلاب الفصل، بغض النظر عن قدراتهم وميولهم الفردية. هناك بعض المساهمات من القطاع الخاص لتطوير دور الذكاء الاصطناعي في التعلم. ومن أبرزها مؤسسة بيل ومليندا غيتس، التي استثمرت أكثر من 240 مليون دولار حتى الآن في مجال تطوير التعلم «المشخصن.» وتتمثل هذه الجهود بتطوير البرامج الحاسوبية التي تصمم خططًا للدروس الفردية للطلاب، بناء على أدائهم، وإرشادهم بشكل فردي في المفاصل المستعصية، حتى يتم لهم إتقان الموضوع الذي بين أيديهم. بالتأكيد، سيظل المعلمون يلعبون دورًا محوريًّا في الفصول الدراسية، لكنهم يقومون بدور أقل في إلقاء المحاضرات، ويتركز عملهم في الإرشاد والتوجيه «المشخصن.» والفكرة خلف التعلم المشخصن، «أن الناس تتقدم في التعلم بمعدلات مختلفة. فإذا كان الطالب متقدمًا على زملائه فيما يدرَّس في الصف، فقد يشعر بالملل. أما إذا كان متخلفًا عن زملائه، فقد يستخدم زملاؤه مصطلحات ومفاهيم لا يفهمها. وقد يتولد لديه لذلك، إحساس بالدونية واليأس من التعلم، بشكل يستحيل إصلاحه. أما التوجه الجديد في دعم دور الذكاء الاصطناعي في التعلم، فإنه يتمثل في نقل كامل الملكية والسيطرة في عملية التعلم للمتعلمين أنفسهم. فالتقنية ستغير بشكل جذري مواقع السلطة في العملية التعليمية. وسيكون كل متعلم بنفسه هو من يقرر ماذا، ومتى، وأين يريد أن يتعلم. وهناك مشروع يموله الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تأسيس منصة لتقنية التعلم المفتوح، يجمع معرفة الخبراء من أجل نقلها إلى المتعلمين باستخدام خبير افتراضي في المجال المطلوب. فعلى سبيل المثال، قد يستخدم المتعلم نظارات ذكية عند تشغيل جهاز جديد. وتقوم هذه النظارات بتقييم ما يتم النظر إليه، وتقوم يدٌ افتراضية بتحديد الأزرار والمفاتيح التي يجب استخدامها لتشغيل الآلة، وبالترتيب المطلوب. وفي أحدث سلسلة من مطبوعاتها المتعلقة بالتعلم الرقمي، قامت شركة بيرسون بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس، من أجل رسم خارطة لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، من أجل إنتاج أدوات تعلم أكثر كفاءة ومرونة وشمولا من تلك المتوفرة حاليا. وهذه الأدوات من شأنها أن تساعد المتعلمين على التهيؤ لاقتصاد معرفي يعتقد بأنه سيعاد تشكيله بشكل سريع بواسطة التقنيات الرقمية. ومن التطورات الواعدة في مجال التعلم عن طريق الذكاء الاصطناعي هو منتجات ما يطلق عليه الواقع الافتراضي. فهذه الأجهزة والبرامج سوف تغير الطريقة التي نتعلم بها والتي نرفِّه بها عن أنفسنا. فأطفالنا سوف يكون تعليمهم عالَما معاشًا. وسوف يتجولون في جسم الإنسان، ويرون حرب داحس والغبراء، ويغوصون في أعماق المحيطات وهم على مقاعد فصولهم الدراسية. ويشاهدون الأفلام السينمائية وهم في منازلهم بدلا من قاعات السينما. يقول الباحث في علم النفس المعرفي والمنظر في مجال الذكاء الاصطناعي روجر شانك، إن الذكاء الاصطناعي قادر على دعم التعلم. وهو يتصور أن يدعم الذكاء الاصطناعي عملية التعلم من خلال لعب دور المدرس أو المرشد الَّذي يقدم المساعدة للمتعلمين كلما واجهتهم مشكلة أو كان لديهم سؤال. ويكون بمقدور الأطفال استكشاف اهتماماتهم وميولهم مبكرًا وبطريقة جديدة كليا، وكذلك اكتساب خبرة مهمة في طريقهم للوصول إلى ذلك. فلَو كان طموح طفل في العاشرة من عمره أن يكون طيارا، بإمكانه ممارسة الطيران بطائرات افتراضية. ولو ارتكب خطأً خلال قيادته إحدى الطائرات الافتراضية، أو احتاج لمساعدة، او كان لديه تساؤل معين، فبإمكانه الحصول على المشورة من الطيارين الحقيقيين. ولإيضاح دور الذكاء الاصطناعي في التعلم، لنأخذ الكتابة على سبيل المثال. فالكثير منا يخطئ في الإملاء والنحو والصرف. ونادرًا ما نقرأ نصًّا أو خطابًا يخلو من الأخطاء اللغوية. ولو كان لدينا جهد مبكر يعطي الطلاب تغذية عكسية حول كتابتهم، فإنهم حتما سيحسنون من جودة كتابتهم مع الوقت. المدرسون يستطيعون بسهولة إعطاء ملاحظات حول أعمال الطلاب في الرياضيات او الفيزياء، لأنها أمور لا تقبل الجدل، ولكن إبداء الملاحظات حول جودة النصوص التي يكتبها الطلاب هو عمل مضن وشاق. لذلك، فإن الذكاء الاصطناعي الذي يعمل كمدرس خصوصي يستطيع أن يلعب دورًا هامًا في تحسين الكتابة باللغة العربية (وأية لغة أخرى نتعلمها)، مما سيزيد حتما من جودة التواصل بين الناس والقدرة على الفهم. والأمر لا يقتصر على التعليم العام، فالجامعات تواجه في المستقبل نوعين من الخطر نتيجة التطور الحاصل في الذكاء الاصطناعي. أولهما هو مزاحمة الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي بالذات لخريجي الجامعات في الحصول على وظائف مناسبة. والثاني هو توقع نقص عدد طلاب الجامعات نتيجة توفر التعلم الذاتي المبني على الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى أهمية التعلم عن طريق الذكاء الاصطناعي في المرحلة الجامعية، ربما كان من المهم على الجامعات، التأكد من أن المخرجات من الطلاب المقدمين على سوق العمل، لديهم الفهم الكافي حول قدرات وقيود الذكاء الاصطناعي، والقدرة على مواصلة التعلم لمواكبة التطور في الذكاء الاصطناعي، والاستمرار في تغيير الأدوار والتوقعات في مواقع العمل.