من سمات المجتمعات البشرية أن يسودها تطوّر وتغيّر مستمر استجابة للعوامل الخارجية والداخلية لهذه المجتمعات. والتغيّر الاجتماعي كما عرّفه صلاح العبد بأنه «ظاهرة طبيعية تخضع لها نواميس الكون وشؤون الحياة من خلال التفاعلات والعلاقات والتبادلات الاجتماعية المستمرة والتي تفضي إلى تغيّر دائم «. فما كان بالأمس غريباً قد يكون اليوم مألوفاً وغداً ضرورة ملحة. وما يحدد سرعة عجلة هذا التغيّر والتطوّر من عدمها هو إدراك هذه المجتمعات لهذه الضرورات والمتغيّرات الاجتماعية، إضافة إلى دور الأفكار والخطط والقرارات الرسمية الجريئة والرشيدة التي تصنع الفرق وتحسم الجدل . وفِي مجتمعنا السعودي برز نموذج رائع للدور الرسمي في عملية التطوّر الاجتماعي من خلال رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. حيث كانت هذه الرؤية ملبية للاحتياجات، ومستوعبة لحجم التحديات الاجتماعية والاقتصادية. ومع إطلاق هذا المشروع الشامل والمتكامل وما واكبه من تشريعات وأنظمه وقرارات تقود في مجملها إلى تحقيق هذه الرؤية لإحداث تنمية شاملة ومستدامة للفرد والمجتمع ، نقف الآن على منصة من منصات التطوّر الاجتماعي. وبهذا الدور الرسمي ومن خلال هذه الرؤية الثاقبة، نجد أنفسنا كأفراد مجتمع أمام خارطة طريق واضحة تحدد المعالم وتستشرف المستقبل. مما يستوجب علينا المبادرة بتفعيل دورنا ومسؤوليتنا الاجتماعية لمواكبة هذا المشروع الذي يعنى بتطورنا ورفاهيتنا وأمننا الاجتماعي. وما يميز هذا المشروع العملاق -بجانب شموليته وأهميته التنموية - هو الوضوح والشفافية فيما يتعلق بتحديد الأهداف وسبل الوصول اليها بمدى زمني واضح أخذت منه الرؤية عنواناً لها (2030). وبكل هذه المعطيات لم يدع هذا المشروع مجالا للتكهنات أو الخوف الاجتماعي . فإذا كان (الانسان عدوا لما يجهل) فبانتفاء السبب (الجهل) تنتفي النتيجة (الخوف أو عدم تقبل التغيير)، وهذا ما نلمسه من تقبل في مجتمعنا تجاه هذا المشروع الواضح ومحدد المعالم. وعلى الرغم من ان رفض بعض أفراد المجتمعات عموما للتغيير والتطوير هو أمر قديم قدم الإنسان، إلا أنه يبقى تصرفات فردية لا تعم ظاهر المجتمع، وستظل محدودة ومحسوبة على أصحابها. وقد يكون هذا الرفض بشكل صريح ولا إشكال في ذلك طالما كان صريحاً ولمبررات واضحة حتى وإن لم تكن مقنعة، ففي النهاية سيغلب صوت العقل والمنطق. ولكن الإشكال يكون في الرفض الضمني الغامض في الأهداف وطرق التعبير عنه، وهذا ما بدا من بعض التصرفات النادرة وغير المسؤولة من بعض الأفراد الذين يحاولون- حالمين -إجهاض هذا المشروع العملاق. فما بدر منهم من تجاوزات وتصرفات -لا أخلاقية تنافي النظام العام والآداب العامة- ليست إلا محاولة لرمي السبب واللوم بهذه التصرفات على ما يصاحب هذا المشروع الوطني من تطوير وحريات عامة منضبطة، فهم لا يدركون بأن هذه الحريات منحت وفق ضوابط اجتماعية ودينية تحافظ على الآداب العامة وتراعي مصلحة الفرد والمجتمع. * أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة نايف العربية Your browser does not support the video tag.