لا يمكن بناء قصيدة بدون ثقافة شاعرها، أو يمكن ذلك شكلاً لا مضموناً، وستكون فارغة من الداخل، فالشاعر بالموهبة وصقلها يبرع في الوزن والقافية، ويعبر بقصيدته مجالات عدة، تسلم من الكسر والعيوب الظاهرة في تقطيعها وعروضها، وقد يجيد سلاسة عباراتها، لكنها لن تكون ممتعة في مبانيها ومعانيها إلا بثقافة قائلها، فهو في صناعتها وصياغتها وبنائها يحتاج إلى مادتها التي منها تقوم وتتكامل، وعليها ومفرداتها تتركب أبياتها، ومن تميز تلك الثقافة وتنوعها تجذب المتلقي وتفيده، ويجد في ساحتها الواسعة أفقاً يسيح فيه، فالخيال لا يحلق في فضاء يخلو من نسمات المعاني الجميلة وجذبها والتراكيب البديعة في مجموعها المعلومات الثرية التي تمدها بالحياة والحركة. إذاً القصيدة ليست وزناً وقافية كما يبدو، ولا حضوراً للمعنى أياً كان وكيفما اتفق، ولا تشبيهات مستهلكة ولا صوراً مكررة، ولا الزج بمعلومات لا تتوافق مع مناسبة وغرض القصيدة، وهذا سر البقاء لبعض الشعر واضمحلال بعضه. فإذا كان كل متكلم نثراً أو شعراً يحتاج إلى اللغة التي منها ينطلق وبها يعبر، ومن تعدد مفرداتها وغزارتها يجدد وينوع، فإنه إلى الثقافة العامة والمعلومات الشاملة أكثر حاجة، فبها ينوع المعاني ويجيد البيان ويشبه ويمثل ويقارن ويصور، ويقنع المتلقي، ففي سعة الأفق الثقافي ما يحقق مراده، ويمده بزاده الشعري. يقول الشاعر عبدالله بن عبار العنزي قصيدة شاملة وطويلة نستل منها هذه الأبيات، بغرض بيان أهمية إلمام الشاعر بالثقافة، سواء كانت تلك الثقافة جغرافية أو تاريخية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، فهو يقول: يا الفاهم اسمع كل ما قلت يعنيك اعرف هدف معناي والهرج وكدان أوصيك يا من تسمع القول أوصيك خذ النصيحة يا فتى الجود مجان وأن كان تسمع جابتي لب داعيك خذ الحذر لا يدخل البال نسيان عن الضلال لمسلك الحق نهديك درب الهدى فيه الفضايل والإحسان أفطن ترى نيبان بقعا مشاويك حذراك من بقعا تعضك بنيبان دنياك يا بن آدم تراها شرابيك لو سانعت لازم تقودك بالارسان حذراك منها وعدها من أعاديك دنيا الشقا ما وفرت كل ديقان كان أنت جاهلها بها أخبرك و ادريك ما دامت لقيصر وكسرى وكنعان دالت بحكم الشاه والباش والبيك ومالت على قارون قبلك وهامان أطلالهم لوهي تكلم تحاكيك طالع أثار اللي على الخيل فرسان بس انشد الأهرام قل كيف ماضيك وين الذي عاند دليل ابن عمران وانشد سبأ بلقيس ما هي خباريك وين الذي منها تعجب سليمان وانشد حمى دمياط وين المماليك ثم انشد الشهباء عن ملوك حمدان وانشد دمشق الشام قل وين أهاليك وين الخليفة وين ابن أبي سفيان وانشد قصر بغداد قل وين راعيك وين الذين حطموا عرش ساسان عبدالله بن عبار ناصر الحميضي Your browser does not support the video tag.