لن تقرأ ولن تسمع ضمن أشعار حميدان الشويعر مثل هذا البيت لسليمان بن شريم: سرى البارق اللي له زمانين ما سرى حقوق المخايل بارقه يجذب الساري ولن تسمع ولن تقرأ بيتا من أبياته مثل هذين البيتين لأحمد الناصر: الا يا عين هلي دموعك يا شقيه على عصر مضى لي، ألا يا عين هلي انا المغبون انا اللي عمايه من يديه ألا وا عزاتى لي انا المغبون أنا اللي والسبب في كل ذلك: اختلاف العصر بين الشعراء والسائد في كل عصر، وأن شعر حميدان الشويعر لا يتجه إلى طرب المتلقي أو حتى محاولة إطرابه بقدر ما يؤثر فيه حكمة ونصحاً وتقديم خبرة الشاعر لمن يتلقى القصائد. كانت الطريقة والصيغة والمعاني التي قدم فيها حميدان الشويعر إنتاجه لا تسمح بوجود شعر مغنى أو تدرجه ضمن شعر يصلح للطرب، حتى لمن حفظه، ولا كان شعره مناسباً لترديده من خلال ذاكرة من حفظة وهو بمفرده، فهو شعر جماعي لا فردي، إنه بمعانيه وتراكيبه لا يؤنس مقيم ولا راحل ومسافر، بعكس بعض القصائد التي يرددها محبو الشعر وهواته، وهذا ليس عجزًا من شاعر له قصائد في أغراض كثيرة لكنه وبحسب ما وصل من شعره لم ينتج شعرًا للطرب ففيه من الجدية ما تحول بينه وبين ذلك. وكل ذلك ليس غريباً في عصر حميدان الشويعر فقد تنوع الإنتاج الشعري وإن كان أكثره شعراً مطرباً، إلا أن فئة من الشعراء ومنهم حميدان الشويعر لا يصنف ضمن فئة شعراء الطرب، ولا الغزل ولا التسلية. يقول حميدان الشويعر: الايام حبلى والامور عوان وهل ترى؟ ما لا يكون وكان الاعمال فيها من طويل وقاصر وكل سوى رب الخلايق فان لا تامن الدنيا ولو زان وجهها ترى رميها للعالمين حفان كم غيرت من ملك ناس وبدلت مكان لناس غيرهم بمكان انا يا ولدي جربت الايام كلها ما كبر من عظم المصية وهان انا اختار نومي فوق صوانة الصفا ولا جودري في بلاد هوان ولو صار شربي ما هماج مخالطه حنطل وانا لي بالمعزه شان احب علي من ملك بغداد وارضه الى البصرة الفيحا ودار عمان أعلم صبيان القرايا هل الذرا من الناس والا فالذهان ذهان وهناك فرق بين الطرب الذي يعيش فيه الشاعر والسامع بخيال وبين التفاعل مع مضامين القصيدة وأوزانها والتراكيب التي تتوافق مع أصحاب العمل في الحريث والحصاد والبناء وغيرها، فيرددها العمال أثناء العمل دون حد الطرب، فمثال ذلك قول حميدان الشويعر: قال عود زلف له سنين مضن زل عصر الصبا والمشيب حضره حاضره بالمجالس يتالي العصا زهد فيه الولد والوغد والمره من بقى معه مال فهو غالي يكنسون الحصا بالعصا عن ثره وان بقى مامعهش فهو خايب قيل عود كبير وفيه الشره يا مجلي تسمع نبا والد قاصر العضا طايل باصغره كل من لا بعد ساد جده وابوه لا ترد الثنا فيه يا المصخره وكل من يبذل الجود في جلعد مثل من برقع الباشق وصقره أما الشاعر فيعرف أن جماعة الفلاحين والبنائين وأرباب الحرف الجماعية تلك يقومون بحماسة في تقطيع القصيدة للعمل في عزق الأرض يرددونها رفعا وخفضا بالمساحي التي يعزقون بها الأرض هكذا: (قال عود زلف) (له سنين مضن) (زل عصر الصبا) (والمشيب حضره) (حاضره بالمجا) (لسيتالي العصا) (زهد فيه الولد) (والوغد والمره) (من بقى معْهْ ما) (ل فهو غالي ) (يكنسون الحصى ) (بالعصا عن ثره ) ومن هذه الكلمات الوعظية لا يطربون ولكنهم يتحمسون أثناء العمل وتنسجم حركتهم مع مقاطع القصيدة دون طرب يذكر، والشاعر مثل بقية الشعراء في عصره وفي عصور بعده إلى الآن يعرفون ما يناسب بيئتهم ومجتمعهم، فينظمون القصائد والأبيات بصيغة معينة وربما قالها الشاعر وهو يعمل في مزرعته حماسة لا طرباً، فناسبت كل الفلاحين الذين يمارسون عزق (ضريب) الأرض استعدادا لبذرها ومن ثم ريها، وهي أعمال متعبة ويعمل فيها عدد من العمال يتجاذبون أقوالاً وأخباراً كثيرة وقد لا يكون فيها جديد فيملون فإذا وجدوا قصيدة مناسبة حفظوها وأنشدوها أثناء العمل. وقصيدة العمل تختلف عن قصيدة الحداء والسفر، وأيضاً عن قصيدة السمر، وحميدان الشويعر لا يبني قصيدة لطرب وليس في سيرته وحياته وشعره طرباً. أحمد الناصر -رحمه الله-