معظم الشعراء يطبق أسلوب النظير والتناظر والتآخي بين مفردات القصيدة، وقد يدرك بعضهم وقد لا يدرك أنه يطبق أسلوبا مهما يحقق الانسجام والتجانس بين المفردات، ولعل السائد وكثرة الاستخدام والتأثر جعل الأسلوب يتحول تلقائيا إلى سليقة عفوية تجري دون تكلف، يقولها الشاعر ويتقبلها المتلقي ويتوقعها أيضا، ولهذا نسمع بعض المتلقين يكمل فور سماعه جزءا من البيت لعلمه أن الشاعر سيستخدم نظيرا لمفردة قالها. ماانساك لو ينسى المطر نوض برّاق ماانساك لو تنسى المراكب بحرها التناظر والتوافق والمؤاخاة والتقارب في مفردات القصيدة إذا يجعل منها منتجاً جيدا وجميلا أيضا، وله وقع محبب ومقبول عند من يتلقاها، والعكس فيما لو حصل التنافر فإنه يثير شيئاً من التساؤل المحير أو الشعور بالتناقض الذي يقلل جدا من قيمة القصيدة ويعرض صاحبها للانتقاد. ويعاب القول الذي يوصل المعنى من خلال مفردات متنافرة حتى ولو كان قائله مضطرا إلى ذلك بحكم الوزن مثلا أو القافية، لأن ذلك نوع من العجز عن إيجاد مفردة تفي بالغرض سلمه عجزه أو جهله إلى استدعاء مفردة بديلة لا تتناسب والسياق فتبدو شاذة نافرة، وهذا يلاحظ في بعض القصائد التي يجمع شاعرها تراكيبها لتكتمل كقصيدة مصفوفة ظاهريا لكنها تفتقد التناغم والتجانس بين المفردات، ولو جئنا بقصيدة من هذا النوع لوجدنا شاعرها يزاوج بين السحاب مثلا والمال، وبين الشمس والتين، وبين القمر والياسمين، وبين الماء والشموع، وبين الجبل والكتاب، فلا تقبلها الذائقة ولا يعانقها الإحساس بالقبول والشعور بالتقارب الذي هو أساس بناء الأسلوب الممتع. أحمد الناصر والعكس تماما من ذلك، شاعر يمتلك كما وافرا من المفردات، فهي تلبي طلبه وتصطف أمامه ينتقي منها ما يصلح لأن يتجاور في النص الشعري ويتزاوج بكل تقارب وانسجام، فيفي بالغرض من كل النواحي، فهو محقق للوزن والقافية موصل للمعنى ومتوافق تماما مع النظير والشبيه لها. ولكي يتضح مثل هذا الانسجام والتآخي بين المفردات، نطلع على هذه الأبيات للشاعر: أحمد الناصر، يقول فيها: الى فكرت بالدنيا جزت عيني عن النوم اشوف الفرق في سود الليال وبيض الايام ليال فرقها بيّن مثل فرق امس واليوم ليال تتعب الخيال واللي فوق الاقدام حياتي كلها راحت وانا باوهام وحلوم تقافن الليال وها الزمان اردى من العام احد ظالم واحد ياساتر الاحوال مظلوم وبعض الناس ممشاهم ورا ماهوب قدام ولكن الرجال اشكال به معطى ومحروم جميع الصحف مطويه وجفت كل الاقلام اظن العقل في بعض العرب والعرف معدوم وقليل المعرفه بارخص ثمن ماهوب ينسام احد يسري وهو بالليل في مسراه منجوم وهذا بالشدايد لاتحطه درع وحزام أفضّل رفقة الطيب لو الطيّب من القوم من الهند ومن السند ومن الغرب ومن الشام كبير الحظ يبعد عن رجال الشوم واللوم لاجل يرتاح مايدخل بقلبه شك واوهام والنظائر جاءت هنا بين مفردتين مثل: الليالي والأيام، و الصحف والأقلام، والدرع والحزام، والشوم واللوم، والشك والأوهام. محمد بن عبدالله العسيلي كما جاء الشاعر بأربع مفردات نظائر وهي: من الهند ومن السند ومن الغرب ومن الشام، وهي نظائر كونها بلدان.. ويستخدم الشعراء النظائر بكثرة لجعل شيء من الإبداع والبلاغة في قصائدهم ولأنها تعطي المنتج مزيدا من الجودة. ومن أمثلة النظائر التي نقرأها في الشعر: العشب والشجر، أو الخوخ والرمان، الورد والريحان، الزهر والياسمين، المطر والسيل، الجود والكرم، التعب والسهر، العيون والدموع، الشرود والهواجس...الخ ويوظف بعض الشعراء عدة مفردات متناظرة كأن يذكر النجوم والشمس والقمر والثريا وسهيل في قصيدة واحدة، وهي مجموعة متناظرة، وقد يكتفي منها بمفردتين كالشمس والقمر وهو كثير. وعندما يستخدم الشاعر تشبيها يوظف فيه مفردات بعض الحيوانات فإنه حتما لا يجعلها متنافرة إن كان يحرص على جودة المنتج الشعري، فلا يستخدم مفردتي العصفور والذئب كنظير ولكن كتضاد، فهي ليست نظير بعض، ولكن العصفور نظير الحمامة، والذئب نظير الثعلب والأسد والنمر والفهد، كما أن الغزال ليست نظيرا للدجاجة، ولكنها نظير للصيد، والمهاة والريم والخشف والوضيحي وما شابه، بغض النظر عن كونها مسميات لشيء واحد، كما هو الذئب والسبع فهما مفردتان لشيء واحد وهما أيضا نظير بعض. ومفردات السباع مع بعضها تعد نظائر كما جاء، ف(أبو الحصين) وهو الثعلب مثلا، يستخدم كمفردة تناظر مسمى الذئب والأسد والضبع والكلب والسلق واللبوة والنمر والفهد..الخ، باعتبارها كلها من السباع وهو وجه التناظر، وإن استخدم مفردة الصقر ناظرها بالبومة والحمامة والحبارى والقطا والحجل والعقاب والباشق والرخم والنسر..الخ باعتبارها طيورا بغض النظر عن مكانة الطير في نفوس الصقارين أو الصيادين، فالمسألة ليست مقارنة طير حر بالباشق أو البومة والحمامة ولكن الاعتبار لتجانسها ووجود التآخي المشترك بينها، وليس من قبيل التباين والتضاد ولكن من قبيل التآلف والتقارب والتماثل فهي إذا نظائر. ومن أجل مزيد من الدقة في التناظر يحرص بعض الشعراء على جعلها في نطاق أضيق كأن يجعل الصقر نظير الباشق والنسر، ويجعل الحمامة نظير الحبارى. ومثل ذلك العشب والشجر، ومسميات البلدان، والوديان والجبال، وكذلك الجهات شمال وجنوب وشرق وغرب، والورد والفل والياسمين والريحان، والبرق والرعد والمطر والسيل، والشمس والقمر فكل مجموعة من تلك المفردات تعد نظائر لبعضها يجمعها مشترك تتحد فيه، وانتماء لبعضها مما يعطيها انسجاما عند تناولها من قبل الشاعر وقبولا لدى المتلقي. يقول الشاعر فايز البذال لبيه يا من جتْ على حزة اشراق لبيه يا شمس الرياض وقمرها ما انساك لو ينسى المطر نوض برّاق ما انساك لو تنسى المراكب بحرها ففي البيت الأول ذكر الشاعر في أسلوب التشبيه ثلاث مفردات هي اشراق والشمس والقمر، وتلك المفردات بينها تآخي واتفاق وهما نظير بعض باعتبارهما ذاتي شعاع ومن الأجرام السماوية، وليس بينها أي تنافر أو اختلاف. كذلك المفردة: المطر ونوض براق، وأيضا المراكب وبحرها، فبين كل مفردتين نظير واتفاق والكل منها ينتمي له بحكم التلازم أو الاتحاد مما يؤدي بالضرورة إلى ارتباط المعاني وفقا لارتباط المفردات والألفاظ. وفي القصائد التالية ذات المطلع الواحد لقائله الشاعر الأمير عبدالعزيز بن سعود(السامر): سقى الله روضة التنهات روضة كاسب الطولات بسيل في عروض العرق الاعلى بانت حدوده والذي بنيت عليه القصائد من عدة شعراء يقول الشاعر محمد بن عبدالله العسيلي عسى الروضه تساقيها ودادين الحيا سوقات ويسيل العتش والشوكي وواد سدير والعوده سقاها من بواكير الحيا من يفرج الكربات هميلٍ فيه خير ويشمل الاوطان مردوده على ظهر البلاد اللي لها حرمه وعزة ذات منار النور والتاريخ والاسلام وجنوده عقب عشرين يوم من المطر وين انت يالكشات تشوف العشب فيها والشجر مخضرة فنوده فقد استخدم الشاعر عددا من المفردات المتناظرة حيث يقول : العتش، والشوكي، وواد سدير، والعوده، وهذه يجمعها المكان و قد جمعها وضمها مشترك واحد كونها أودية. كذلك مفردتي : حرمة وعزة ذات، وكذلك مفردتي : العشب والشجر. و يقول الشاعر زبن بن عمير الى فاح الضحى ريح الخزامى والنفل بالذات يفوق بعطره الزاكي عطور الفل ووروده تسمع لأم سالم والبلابل بالحيا طربات يعزفن اللحون بروضةٍ ماهيب مسدوده فاستخدم الشاعر مفردات بينها تناظر وتوافق هي : الخزامى والنفل والفل والورد، وكلها من الأشجار ذات الرائحة الطيبة الزكية، وقد آخاها ببعضها لهذا السبب، كما آخى بين الطيور التي يجمعها إصدار صوت مطرب وهي : أم سالم والبلابل، وأشار أيضا إلى وجه الشبه لمزيد من التأكيد على أن بينها ذلك التناظر فقال : يعزفن اللحون ويقول الشاعر : سلطان بن مقعد الحضبي، أيضا : ليا نبت الزهر و اخضرت الروضة غدت جنات يعج بها الخزمى والنفل لا ذعذعت نوده ديار أهل الكرم واهل الوفا والطيّب والنخوات ملوكٍ كل منهم وارثٍ طيبه من جدوده والشاعر هنا استخدم النظائر بشكل مناسب أعطى للقصيدة الكثير من البلاغة وهذه النظائر هي : الزهر و الخزامى والنفل، وكذلك المفردات : الكرم والوفاء والطيب والنخوات . ولا يقتصر استخدام النظير والتآخي في المفردات على الشعر فقط، ولكنه مهم أيضا حتى في النثر وعرض النصوص أيا كانت، وهو في القصة والرواية يعطيها قبولا، كما أنه من علامة ثقافة القائل وسعة مدركاته وحصيلته المعلوماتية و اللفظية و مفرداته اللغوية.