ربما يردد الكثيرون البيت الشعري القائل: "ترا من جاته الضده وجا من ربعه الحقران غدا مثل المريض اللي دواه بغير برهاني " إلا أن القليل ربما يعرفون شيئا عن تجربة صاحب ذلك البيت الشعري، وهو البيت الذي يأتي ضمن قصيدة طويلة للشاعر بركة بن مصلح بن مبارك الوشيكة، والشهير بين شعراء وأبناء جيله ب"الوشيكة". الوشيكة "مجنون البنادق"، كما يصفه الباحث والشاعر علي بن راضي الحسيني، حيث قضى عمره عاشقا لها خبيرا بأنواعها، ويجيد الرماية بها، وشاءت الأقدار أن يلقى حتفه أثر "طلقة" خرجت، وهو يحاول أن يصلح احدى بنادقه، حيث لم يعش بعدها –كما يروي الحسيني- سوى بضعة أيام، ولم يتجاوز من العمر 50 عاما. ينتمي الوشيكة –يرحمه الله- إلى بيئة شاعرة فأخوه هو عيسى بن مصلح، وكذلك عمه الشاعر حديجان بن مبارك، وبحسب الباحث علي بن راضي فقد ولد الشاعر في العشرينات من القرن المنصرم، وتحديدا عام 1325 ه وتوفي عام 1375ه ، وكان من سكان قرية "السويرقية" إحدى قرى محافظة المهد التي تبعد عن المدينة مسافة160 كيلو. ترك الوشيكة –يرحمه الله- عددا من النصوص الشعرية، إلا أنه لم يتم توثيق الكثير منها، وروى لنا الحسيني احدى قصائده حين طلب منه أحد الأشخاص بندقية صيد عزيزة عليه، فأعطاه له بعد إلحاح الأخير الذي كان يريد أن يقتل بها ذئبا أكل غنمه – بحسب زعمه-. ولكن الرجل أعاد إليه بعد أيام، بعد أن اختل فيها عيار الرمي، فاكتشف الوشيكة أن صاحبه كما تقول الرواية، وتشير الأبيات رمى بها كلبا، فحزن الوشيكة على ذلك وقال: إلا يا بندقي حقك عليه شايفه لا كان احسب انه يعديبك ضحى في راس مرقابي يدور بك جلال الصيد..والا شمخ النيبان ذياب في الضرايب يعطبن الناب ما تهابي طلبها صاحبي مني صباحه يوم جا عجلان وقلت أنت علامك قال حيد الفرق منصابي ورمى الكلب الحمر واللي كلى المعزى ولد سرحان يا ليتك ما رميت الكلب يا فكاك الانشابي ما تركه الوشيكة –يرحمه الله- من نصوص على قلتها يؤكد شاعريته وتميز صورة ومعجمه الشعري، وعلى أمل أن تكون هذه الحلقة باعثا لجمع تراثه الشعري المتناثر هناك وهناك، يقول الشاعر من قصيدة طويلة وجهها لشخص يدعى "مسعد" ويبدو من سياق النص أنه أحد أقاربه، وهو نص يكشف عن أيمان عميق يكتنف روح الشاعر، كما يفصح عن طبيعة المفردات المستخدمة لدى أهالي تلك الديار: يالله..يا الله طالبك المعونة والمكافاه تكفيني الشر لا ترسل علي الامتحاني انا أحمد الله على ما دبر المخلوق يرضاه يمسي ويصبح لينه ما تقول الزول كاني أن كان طيب معه عمله.. مقدمله ويلقاه وان كان بطال..عمله له ولا فيها مثاني والمال يقعد بعد راعيه لصقور تعشاه والخل تلقى بدال اللي قدم مخلوق ثاني يا مسعد الزم طريق أبوك لا تكبه وتنساه تراه أبو مرحبا ومكمل(ن) كل المعاني قاضي لزومه على وضح النقا والضيف ينصاه ولا يجلس إلا مع اللي ما يهزعون الوزاني أنا علي أتجمل فيك وأوصيك بوصاه ميقين على خاطري لو طال ماد العمر فاني الاوله طاعة الله قدم ما عندك مبداه خمسه فروض الصلاه ولا تهزع برمضاني واللي ما ناداك لا تسمع نداه تقوله هاه واللي يناديك جاوبله وعلم بالبياني ومن صد عنك اتركه ما لك وماله لا تبلواه واللي نطحك انطحه صدوق.. ولا قلباني وأخيرا لا يمكن لنا أن نتجاوز في هذه المساحة نص يعد من أشهر نصوص الشاعر بركة الوشيكة، وهي قصيدة توقدت بها قريحته حين اضطرته الظروف أن يرحل عن قريته، ويجاور بعض أصدقائه فكتب وهو يحن إلى العودة إلى قريته: أنا أول جابتي ذكر الله اللي يخزي الشيطان خلق سنه وفرض ومكتلف رزق العريباني يفك الطير من شبك الحديد وينجي الغرقان ويسقى الدار عقب محالها من غر الامزاني ما عندي غير نجر ودلتين وعلبة الدخان واعذل القلب عن طاريه وهوه ما توحاني يقول اقنع كثير اللي نحا عن ديرته قنعان تجدد فالمنازل يا ولد عمر الفتى فاني الى ان قال: ترى من جاته الضده وجا من ربعه الحقران غدا مثل المريض اللي دواه بغير برهاني حدوني واحتديت ولا انتبهت إلا ورا البيبان ليا هوجس ضمير القلب انا غنيت بلساني انا باكل بنيباني ليا قابلت للعدوان وانا ما بيك تاكلني ولا ساطي بنيباني انا مطلوبي المسعار لين اقرر الميزان اعود يمهم والا رجح بالحق ميزاني رحم الله شاعرنا بركة بن مصلح الوشيكة، والذي رحل وترك تراثا خالدا، يستحق الالتفات، وسيكون موعدنا القادم مع شاعر آخر حياته فصول من الكبرياء والألم. [email protected]